الجلسة الأولى لمحاكمة الرئيس المصري المطاح به حسني مبارك ونجليه وأعوانه في الأمن، كانت جلسة تاريخية بكل معانيها ودلالاتها؛ بشخوص القابعين في قفص الاتهام، وبطبيعة الحضور، وبنوعية التهم، وبمنظر القاضي، بكل دلالات الصورة والحدث.
خارج القاعة كان هناك هرج ومرج، بين أنصار محاكمة الرئيس وبين خصومها. آخر شيء ننتظره في مثل هذه الأجواء هو الحصول على الحقيقة في ظل الفوران العاطفي لدى الجانبين.
في القاعة كان الكل يعلم أن ثمة كاميرا تصور الجميع وأنها لحظات تاريخية. لذلك ازدحم كثيرون على التقاط الميكروفون، وجذب الأضواء، ورأينا «جحفلا» من محامي الأهالي، حتى اضطر القاضي للطلب بنقل الميكروفون من هذا لذاك.
اللحظات الأصدق تعبيرا عن المشهد وحقيقة المشاعر القابعة خلفه – بالنسبة لي – هي بالضبط اللحظات التي رأى فيها كثيرون خروجا عن السياق، أو صمتا مستفزا. أقصد اللحظة التي هب فيها رجل من القاعة، من المحامين، ليطلب إضافة نقطة مصيرية ستغير مسار المحاكمة كلها، وإذ بالرجل بكل بساطة يقول إن الشخص الممدد على السرير في قفص الاتهام ليس الرئيس المطاح به حسني مبارك، بل «دوبلير» أو شبيه له، وإن مبارك الحقيقي قد مات سنة 2004، ويطلب فحص الحمض النووي لهذا «الدوبلير» الممدد على السرير وأخذ عينات من نجليه للمطابقة. ولا أدري لماذا لم يقل إن علاء وجمال أيضا قد ماتا منذ عدة سنوات وإن القابعين في القفص هم أيضا «دوبليرات».
أما اللحظة الثانية فكانت لحظة أو قل لحظات الصمت والشرود المتواصل من قبل حسني مبارك نفسه، بالشكل الذي يعطيك شعورا بأن الرجل غير مبال أو لا يحفل كثيرا بهذه الشكليات، وكأنه أغلق أذنيه وعينيه عن ضجيج المشهد ليظل فقط مع الصورة العامة، وهي أن ثمة محنة يتعرض لها وليس له أمامها إلا التجلد والتبلد.
لماذا هذه اللوحات هي الأصدق في نظري؟
لأن الرجل صاحب نظرية الدوبلير هو خير معبر عن الشعور الجمعي الذي يميل – عادة في لحظات النهايات، وانتهاء فصل تاريخي وبداية غيره، كما هو الحال في مثل انتهاء الحقبة المباركية في قفص الاتهام – إلى الإنكار واستصحاب الحال السابق معه، كأنه «ألف» خصمه ووحشه ومخاوفه. فمصدر الشر الضخم والعنيد يحمينا أحيانا من مواجهة المسؤولية الذاتية، في حالة مبارك: المطلق الظلم، والمطلق الفساد، والمطلق العناد، تخف كثيرا المسؤولية الذاتية عن التغيير، لأن مصدر الشر لا يقاوم، فكأن المحامي هنا في لحظة دفاع لا شعوري عن تعرية الذات لمواجهة المسؤولية الخاصة والحقيقية.
أما صمت مبارك ولا مبالاته أو تبلده، فلعلمه – ربما – أن القصة أكبر من مجرد كلام يقال للدفاع هنا أو هناك، وأن الإدانة برمتها قد صدرت مسبقا ضده، وأنه قد أعدم فعلا بمجرد وصوله إلى قفص الاتهام، وأنه حتى لو أصدر القاضي حكما ببراءته أو حكما خفيفا فلن يجعله هذا يشعر بالانتصار، فالانكسار الكبير قد حصل ولا جابر له، هذا إن لم يكن الرجل أصلا قد فقد الشعور النفسي بكل ما يجري حوله.
خارج القاعة كان هناك هرج ومرج، بين أنصار محاكمة الرئيس وبين خصومها. آخر شيء ننتظره في مثل هذه الأجواء هو الحصول على الحقيقة في ظل الفوران العاطفي لدى الجانبين.
في القاعة كان الكل يعلم أن ثمة كاميرا تصور الجميع وأنها لحظات تاريخية. لذلك ازدحم كثيرون على التقاط الميكروفون، وجذب الأضواء، ورأينا «جحفلا» من محامي الأهالي، حتى اضطر القاضي للطلب بنقل الميكروفون من هذا لذاك.
اللحظات الأصدق تعبيرا عن المشهد وحقيقة المشاعر القابعة خلفه – بالنسبة لي – هي بالضبط اللحظات التي رأى فيها كثيرون خروجا عن السياق، أو صمتا مستفزا. أقصد اللحظة التي هب فيها رجل من القاعة، من المحامين، ليطلب إضافة نقطة مصيرية ستغير مسار المحاكمة كلها، وإذ بالرجل بكل بساطة يقول إن الشخص الممدد على السرير في قفص الاتهام ليس الرئيس المطاح به حسني مبارك، بل «دوبلير» أو شبيه له، وإن مبارك الحقيقي قد مات سنة 2004، ويطلب فحص الحمض النووي لهذا «الدوبلير» الممدد على السرير وأخذ عينات من نجليه للمطابقة. ولا أدري لماذا لم يقل إن علاء وجمال أيضا قد ماتا منذ عدة سنوات وإن القابعين في القفص هم أيضا «دوبليرات».
أما اللحظة الثانية فكانت لحظة أو قل لحظات الصمت والشرود المتواصل من قبل حسني مبارك نفسه، بالشكل الذي يعطيك شعورا بأن الرجل غير مبال أو لا يحفل كثيرا بهذه الشكليات، وكأنه أغلق أذنيه وعينيه عن ضجيج المشهد ليظل فقط مع الصورة العامة، وهي أن ثمة محنة يتعرض لها وليس له أمامها إلا التجلد والتبلد.
لماذا هذه اللوحات هي الأصدق في نظري؟
لأن الرجل صاحب نظرية الدوبلير هو خير معبر عن الشعور الجمعي الذي يميل – عادة في لحظات النهايات، وانتهاء فصل تاريخي وبداية غيره، كما هو الحال في مثل انتهاء الحقبة المباركية في قفص الاتهام – إلى الإنكار واستصحاب الحال السابق معه، كأنه «ألف» خصمه ووحشه ومخاوفه. فمصدر الشر الضخم والعنيد يحمينا أحيانا من مواجهة المسؤولية الذاتية، في حالة مبارك: المطلق الظلم، والمطلق الفساد، والمطلق العناد، تخف كثيرا المسؤولية الذاتية عن التغيير، لأن مصدر الشر لا يقاوم، فكأن المحامي هنا في لحظة دفاع لا شعوري عن تعرية الذات لمواجهة المسؤولية الخاصة والحقيقية.
أما صمت مبارك ولا مبالاته أو تبلده، فلعلمه – ربما – أن القصة أكبر من مجرد كلام يقال للدفاع هنا أو هناك، وأن الإدانة برمتها قد صدرت مسبقا ضده، وأنه قد أعدم فعلا بمجرد وصوله إلى قفص الاتهام، وأنه حتى لو أصدر القاضي حكما ببراءته أو حكما خفيفا فلن يجعله هذا يشعر بالانتصار، فالانكسار الكبير قد حصل ولا جابر له، هذا إن لم يكن الرجل أصلا قد فقد الشعور النفسي بكل ما يجري حوله.
أما باقي اللحظات فهي من باب تحصيل الحاصل ومعرفة المعروف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق