السبت، 21 يناير 2017
«المرحلة الملكية»
مع تصرُّم السنين وتوالى الأعوام سيصل بعض البشر لمرحلة من النضج تدعى (المرحلة الملكية) وكلمة (الملكية) ترمز إلى أمرين جميلين أولها: فخامة وروعة المرحلة، والأمر الثاني: يعني أن حياتك ستكون ملكاً لك وستهنأ فيها بممتلكات واسعة من الفرح وراحة البال!
هي (مرحلة) يمتلك فيها الإنسانُ حياته، (مرحلة) تتسع فيها المدارك وتبعد فيها النظرة ويتسع فيها الصدر، (مرحلة) تتشكّل بعد جملة من الخبرات وسلسلة من التجارب وكمٍ من المواقف يتعامل صاحبها معها بعقل واعٍ وفكر يقظ فيتعلم منها أشياء جميلة وإن أتت متأخرة! ولكن أن تصل متأخراً خير لك من أن لا تصل!
* في (المرحلة الملكية), لن تتورط في (جدالات) تافهة ولن تستدرج لمعارك صغيرة، ولن تبذل جهداً على ما لا يستحق من مواضيع، ولو وجدت نفسك قابعاً في مستنقع جدل سقيم ستلتزم الصمت ولن تصرف دقيقة في إقناع من لا يريد أن يفهم! أو في محاولات تعديل مساره! ولسان حالك يقول: لن أضيع وقتي عليك، ذاك اختيارك وأنت المسؤول!
* في (المرحلة الملكية) لن تعطي توافه الأمور أكثر من قدرها؛ لن يزعجك صوت طفل ولن يقض مضجعك سكب العصير على السجاد، ولن يكدر مزاجك زحام الشوارع، ولن تحرق أعصابك كلمة نابية من سقيم، ستعرف حينها أن كل الأمور توافه ولا شيء يستحق الاهتمام سوى طاعة الله!
* في (المرحلة الملكية) لن تؤجر عقلك لأحد ولن تجعل من حولك يفكر عنك، أحكامك على الآخرين أنت من يقررها وفي تلك المرحلة ستصدر أحكاماً منصفة عادلة لا عجلة ولا اندفاع!
* في (المرحلة الملكية) عندما تُبتلى بكاذب؛ فلن تتحرك فيك شعرة ولن تنبس ببنت شفة ولن تحشد الأدلة والقرائن لإثبات كذبه، بل ستقول: كذبه عليه ووقتي أثمن من معالجة أمر لا يقدم ولا يؤخر!
* في (المرحلة الملكية) ستدرك أن الهداية بيد رب العالمين وأنك لا تهدي من أحببت؛ فالبعض قدره أن يكون جاهلاً والبعض قدره أن يكون عالة على الآخرين، والبعض قدره أن يغرق في مستنقع الغواية ولو صببت المواعظ عليه صباً، ستدرك حينها أن الجهد عليك والتوفيق بيد رب العالمين!
* في المرحلة (الملكية) لن تهدر ما تبقى من عمرك في البحث عن «الأحسن» والأروع والأجمل لأنك أدركت أنك عندها ستتجمد عند موقف الانتظار (اللا نهائي)! بل ستقبل في المرحلة (الملكية) بـ «الحسن» و»المقبول» و»الجميل» لكي تجد نفسك بعد حين في موضع أفضل قليلاً أو كثيراً، مما كان عليه.
* في (المرحلة الملكية) ستدرك أنك المسؤول تماماً عن صحتك وعن كل شؤون حياتك، وستعرف حينها أنه لن يحمل أحد عنك هماً ولن يقاسمك شخص سهراً ولن يتبرع أحد بأخذ المرض عنك! لذا لن تكون حلقة أضعف بين شريك الحياة والولد، في (المرحلة الملكية) لن تعمل بنظام الشمعة المحترقة ولن تجعل نفسك شخصاً من الدرجة الثانية، بل ستعتني بنفسك وتدللها وتقدمها دون أنانية أو هضم حقوق من حولك.
* في (المرحلة الملكية) ستدرك كم هي كريمة الحياة، فقط تحتاج أن تكون طاهر القلب مبادراً متحركاً متوكلاً على الله وبعدها ستنهال عليك الهبات من كل مكان!
* ستدرك في (المرحلة الملكية) أن خيارك الوحيد أن تكون محباً، محباً لربك، لذاتك، للخير، محباً للبشرية فمن يزرع الحب يجني الحياة!
* في (المرحلة الملكية) لن تبخس نفسك حقها، ستلوي زمامها دون اضطهاد أو تحقير، وستعرف حينها أن السعادة والنجاح يعتمدان على مناقشة النفس وتقويمها دون تسلط وتصغير! فنفسك جديرة بالحب والتقدير.
* في (المرحلة الملكية) ستدرك أن الحال لا يدوم، وأن الألم يزول والوجع ينتهي والظلم يرفع، ستدرك في تلك المرحلة أنه لا ثمة مواقف ولا مشاهد ولا نكبات في الحياة ميؤوس منها؛ فالحالات التي لا يُرجى الخلاص منها عدم الانفكاك من تبعاتها نادرة جداً!
* في (المرحلة الملكية) لن تتبع أخبار الناس ولن تتقصى أحوالهم؛ لا يهمك إن كانوا سافروا أو لم يسافروا, ماذا أكلوا وما هي سيارتهم؟ أين يسكنون؟ أمور لا تقدم ولا تؤخر!
* في (المرحلة الملكية) لن تهتم إلا بنفسك ولن يشغلك إلا إصلاحها! وفي هذه المرحلة الجميلة (المرحلة الملكية) لن تقارن نفسك بأحد بل ستعيش حياتك كما كتب الله لك، لا مدً للعين ولا استنقاصاً من نعم الله, بل آخذاً لما وهبك الله وشاكرا له عليها! وفي المرحلة الملكية ستدرك أن حياتك رهن تفكيرك؛ فالتغيير منوط بتغير طريقة التفكير وليس بتغيير بيئة أو بامتلاك مال أو بترقية في وظيفة!
* في (المرحلة الملكية) ستدرك أن البشر ليسوا ملائكة ففيهم سيئ الخلق ومنهم قليل التديُّن ومنهم بسيط الفهم وستدرك أن البعضَ لا تُسعفه أخلاقه أنْ يكون صاحب مروءة حتى في أوقات الوئام!
* في (المرحلة الملكية) ستدرك أن التكيف مع الظروف أحد أهم أسباب السعادة فمهما كانت قسوة ظروفك وصعوبة حياتك فلن تندب الحظ ولا تلعن الظروف بل ستتأقلم مع ما لا يمكن تغييره وسوف تسعى لتغيير ما يمكن تغيير!
وأخيراً.. لماذا تنتظر مرحلة عمرية معينة حتى تنعم بـ(المرحلة الملكية) وخذ بها من الآن فقليل من دروس الحياة ما تأخذه بالمجان، والعقلاء هم من يلتقطون الحكمة ويحاكون العظماء يتعلمون من التجارب ويستفيدون من القوانين وما هي سماتها وأنا هنا أدعوك لاختصار الوقت وإعفاء النفس من مؤونة التجارب ولا تنتظر أن يتناهى بك السن، وتطوى مراحل الشباب، وتبلغ ساحل الحياة وانعم بـ(المرحلة الملكية) وأنت في ظل الشباب، وربيع العمر لتعيش حياة فخمة تليق بك!
المقال للكاتب :د.خالد بن صالح المنيف
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق