Social Icons

السبت، 16 أبريل 2022

[] [] الغنــى والفقيــر [] []

يروى الأديب البصرى :مصطفى لطفى المنفلوطى تجربة عاشها ذات يوم قائلا : مررتُ ليلة أمس برجل بائسٍ فرأيتُه واضعًا يده على بطنه كأنما يشكو ألَمًا، فرثَيْت لحاله، وسألته ما باله؟ فشكا إليَّ الجوعَ، ففثَأْتُه عنه أى سكنت جوعه، ثم تركتُه وذهبتُ إلى زيارة صديق لي من أرباب الثراء والنعمة، فأدهشني أني رأيتُه واضعًا يدَه على بطنه، وأنه يشكو من الألم ما يشكو ذلك البائسُ الفقير، فسألتُه عما به، فشكا إليَّ البِطْنةَ، فقلت: يا للعجب! لو أعطى الغنيُّ الفقيرَ ما فضَل عن حاجته من الطعام ما شكا واحدٌ منهما سَقَمًا، ولا ألَمًا، لقد كان جديرًا به أن يتناول من الطعام ما يُشبِع جَوْعته، ويطفئ غلّته، ولكنه كان محبًّا لنفسِه، مغاليًا بها، فضمَّ إلى مائدته ما اختلسه من صَفْحة الفقير، فعاقبه الله على قسوتِه بالبِطْنة حتى لا يهنأ للظالم ظلمُه، ولا يطيبَ له عيشه، وهكذا يصدُق المثَلُ القائل: بِطنة الغنيِّ انتقامٌ لجوع الفقير. ما ضنَّت السماءُ بمائها، ولا شحَّت الأرض بنباتها، ولكن حسد القويُّ الضعيفَ عليهما فزواهما أى منعهما إياه واحتجَنهما دونه أى استأثر بهما لنفسه، فأصبح فقيرًا معدِمًا، شاكيًا متظلِّمًا، غُرَماؤه المياسير الأغنياء، لا الأرض والسماء. ليتني أملِكُ ذلك العقلَ الذي يملِكه هؤلاء الناس، فأستطيع أن أتصورَ كما يتصورون حجة الأقوياء في أنهم أحقُّ بإحراز المال، وأَولى بامتلاكه من الضعفاء، إن كانت القوةُ حجَّتهم عليهم، فلمَ لا يملِكون بهذه الحجة سَلْبَ أرواحهم، كما ملَكوا سلبَ أموالهم، وما الحياة في نظر الحي بأثمَنَ قيمةً من اللقمة في يد الجائع، وإن كانت حجتهم أنهم ورِثوا ذلك المال من آبائهم، قلنا لهم: إن كانت الأبوةُ علةَ الميراث، فلمَ ورِثْتم آباءكم في أموالهم، ولم ترِثوهم مظالِمهم، فلقد كان آباؤُكم أقوياءَ، فاغتصَبوا ذلك المالَ من الضعفاء، وكان حقًّا عليهم أن يردُّوا إليهم ما اغتصبوا منهم، فإن كنتم لا بد وُرَثاءَهم، فاخلُفوهم في ردِّ المال إلى أربابه، لا في الاستمرار على اغتصابِه. ما أظلَمَ الأقوياءَ من بني الإنسان! وما أقسى قلوبَهم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق