تعَرَّف على
الإســلام
مقدمه
الحمد لله والصلاة والسلام على رسل الله، وبعد
فإن دين الأنبياء جميعاً واحد، حيث أرسل الله رسله وأنزل كتبه بدعوة جوهرها واحد، وهي الدعوة إلى توحيده وعبادته والتمسك بطيب الاخلاق وحسن السلوك.
ولما بعث الله محمداً أمره بما أمر به إخوانه من الانبياء، وأرسله إلى الناس أجمعين، وارتضى دينه للعالمين ديناً، فكمل به الدين، وتم ببعثته الفضل العميم.
ولأن الإسلام دين الله الخاتم، فقد امتاز بخصائص ذاتية جعلته في الماضي وتجعله اليوم أسرع الأديان انتشاراً على وجه الأرض، فقد غطى الإسلام نصف الأرض بحضارته، وتسابقت الأمم إلى الدخول فيه لما قرأت فيه من توافق مع الفطرة ومواءمة مع العقول، وسماحة في المعاملة، ويسر في المعتقد.
لكن هذا النجاح الذي حققه المسلمون بإسلامهم دفع البعض للإساءة إلى الإسلام ، فما من دين ولا نحلة أصيب بما تعرض له الإسلام العظيم من تشويه أسهمت به جيوش من المفكرين الذين تعمدوا أحياناً الإساءة إليه بطمس حقائقه وإلصاق النقائص به زوراً وبهتاناً، بينما أخطأوا في أحيان أخر في فهمه، فانحرفوا بعيداً عن حقائقه وأصوله.
ولسنا نبرئ أنفسنا نحن المسلمين من الإساءة إلى ديننا بتصرفات بعضنا التي يبرأ منها الإسلام الذي أضحى أسيراً بين مطرقة أعدائه وسندان جهل محيط ببعض أبنائه.
والواجب على العاقل الحصيف إذا ما أراد التعرف على دين ما؛ النظر في أصوله بعيداً عن تصرفات أبنائه واتهامات أعدائه، فما من دين ولا فكر إلا ويوجد خطأ وجنوح في بعض المنتسبين إليه، من غير أن يجنح أحد إلى تعميم الأحكام، فالحكم على الهيئات فضلاً عن الأديان إنما يرجع فيه إلى الأصول، لا إلى السلوك الأرعن أو الخاطئ من بعض الأتباع، لذا كان من الواجب أن نفهم الإسلام كما هو، كما أنزله الله بعيداً عن الأحكام المسبقة المثقلة بأوهام الاستشراق وإفكه.
وإذا أردنا التعرف على الإسلام عن طريق أصوله؛ فإنا لن نجد مدخلاً أفضل من تدبر الحوار الذي جرى بين جبريل عليه السلام أمين الوحي من أهل السماء، والنبي محمدأمين الوحي من أهل الأرض، حيث أتى جبريل النبي فسأله عن مراتب الدين، ليُسمع الصحابة إجابته، فيفقهوا دينهم، قال جبريل: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله : ((الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)). قال: صدقت. قال عمر: فعجبنا له يسأله ويصدقه!.
قال جبريل: فأخبرني عن الإيمان؟ فأجابه : ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره)) قال: صدقت.
قال جبريل: فأخبرني عن الإحسان؟ فقال : أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).([1])
فهذه أصول الإسلام بإجمال، فأي شيء يعاب منها؟
ولسوف نشرع في التعريف والتفصيل في شرح هذه الأصول ، لنقف على الأبعاد الأخلاقية والحكم الإلهية في تأسيس الإسلام والإيمان على هذه القواعد.
كما سنعرض بالشرح والبيان لكشف حقيقة ما يردده البعض عن اتهام الإسلام بالإرهاب والحض على الكراهية، وبأنه ظلم المرأة وعطل طاقتها، فنجيب في هذا الصدد عن بعض ما يثار عن الإسلام، ونهديه لمن أراد التعرف على الإسلام عن طريق أصوله ومبادئه.
ونتقدم بهذه الرسالة التي تبتغي منها التعريف بالحق الذي انشرحت به صدورنا، وارتضته عقولنا، فهي دعوة للتامل في تعاليم الإسلام ثم اللحاق برهط المؤمنين الفائزين عند الله ﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ^ جزاؤهم عند ربهم جنات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ﴾(البينة: 7-8).
والله نسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
فإن دين الأنبياء جميعاً واحد، حيث أرسل الله رسله وأنزل كتبه بدعوة جوهرها واحد، وهي الدعوة إلى توحيده وعبادته والتمسك بطيب الاخلاق وحسن السلوك.
ولما بعث الله محمداً أمره بما أمر به إخوانه من الانبياء، وأرسله إلى الناس أجمعين، وارتضى دينه للعالمين ديناً، فكمل به الدين، وتم ببعثته الفضل العميم.
ولأن الإسلام دين الله الخاتم، فقد امتاز بخصائص ذاتية جعلته في الماضي وتجعله اليوم أسرع الأديان انتشاراً على وجه الأرض، فقد غطى الإسلام نصف الأرض بحضارته، وتسابقت الأمم إلى الدخول فيه لما قرأت فيه من توافق مع الفطرة ومواءمة مع العقول، وسماحة في المعاملة، ويسر في المعتقد.
لكن هذا النجاح الذي حققه المسلمون بإسلامهم دفع البعض للإساءة إلى الإسلام ، فما من دين ولا نحلة أصيب بما تعرض له الإسلام العظيم من تشويه أسهمت به جيوش من المفكرين الذين تعمدوا أحياناً الإساءة إليه بطمس حقائقه وإلصاق النقائص به زوراً وبهتاناً، بينما أخطأوا في أحيان أخر في فهمه، فانحرفوا بعيداً عن حقائقه وأصوله.
ولسنا نبرئ أنفسنا نحن المسلمين من الإساءة إلى ديننا بتصرفات بعضنا التي يبرأ منها الإسلام الذي أضحى أسيراً بين مطرقة أعدائه وسندان جهل محيط ببعض أبنائه.
والواجب على العاقل الحصيف إذا ما أراد التعرف على دين ما؛ النظر في أصوله بعيداً عن تصرفات أبنائه واتهامات أعدائه، فما من دين ولا فكر إلا ويوجد خطأ وجنوح في بعض المنتسبين إليه، من غير أن يجنح أحد إلى تعميم الأحكام، فالحكم على الهيئات فضلاً عن الأديان إنما يرجع فيه إلى الأصول، لا إلى السلوك الأرعن أو الخاطئ من بعض الأتباع، لذا كان من الواجب أن نفهم الإسلام كما هو، كما أنزله الله بعيداً عن الأحكام المسبقة المثقلة بأوهام الاستشراق وإفكه.
وإذا أردنا التعرف على الإسلام عن طريق أصوله؛ فإنا لن نجد مدخلاً أفضل من تدبر الحوار الذي جرى بين جبريل عليه السلام أمين الوحي من أهل السماء، والنبي محمدأمين الوحي من أهل الأرض، حيث أتى جبريل النبي فسأله عن مراتب الدين، ليُسمع الصحابة إجابته، فيفقهوا دينهم، قال جبريل: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله : ((الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)). قال: صدقت. قال عمر: فعجبنا له يسأله ويصدقه!.
قال جبريل: فأخبرني عن الإيمان؟ فأجابه : ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره)) قال: صدقت.
قال جبريل: فأخبرني عن الإحسان؟ فقال : أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).([1])
فهذه أصول الإسلام بإجمال، فأي شيء يعاب منها؟
ولسوف نشرع في التعريف والتفصيل في شرح هذه الأصول ، لنقف على الأبعاد الأخلاقية والحكم الإلهية في تأسيس الإسلام والإيمان على هذه القواعد.
كما سنعرض بالشرح والبيان لكشف حقيقة ما يردده البعض عن اتهام الإسلام بالإرهاب والحض على الكراهية، وبأنه ظلم المرأة وعطل طاقتها، فنجيب في هذا الصدد عن بعض ما يثار عن الإسلام، ونهديه لمن أراد التعرف على الإسلام عن طريق أصوله ومبادئه.
ونتقدم بهذه الرسالة التي تبتغي منها التعريف بالحق الذي انشرحت به صدورنا، وارتضته عقولنا، فهي دعوة للتامل في تعاليم الإسلام ثم اللحاق برهط المؤمنين الفائزين عند الله ﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ^ جزاؤهم عند ربهم جنات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ﴾(البينة: 7-8).
والله نسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
([1]) أخرجه البخاري ح (50)، ومسلم ح (9).
د. منقذ بن محمود السقار
فهرس الموضوعات
الإسلام وأركانه
الركن الأول: الشهادة لله بالتوحيد ولرسوله محمد بالرسالة
الركن الثاني: إقام الصلاة
الركن الثالث: إيتاء الزكاة
الركن الرابع: صوم رمضان
الركن الخامس: حج بيت الله الحرام
مفهوم العبادة في الإسلام
العبادة والأخلاق
مراتب الأحكام التكليفية
خصائص الشريعة الإسلامية ومقاصدها
أولاً : خصائص الشريعة الإسلامية
أ. ربانية المصدر والغاية
ب. العدل والمساواة
ج. الشمول والتوازن
د. المثالية الواقعية
ثانياً : مقاصد الشريعة الإسلامية
أ. حفظ الدين
ب. حفظ النفس الإنسانية
ج. حفظ العقل
د. حفظ النسل
هـ.حفظ المال
أركان الإيمان
الإيمان بالملائكة
الإيمان بالكتب
الإيمان بالأنبياء
القضاء والقدر
اليوم الآخر
ردود على أباطيل
أولاً : الإسلام والمرأة
ثانياً : الإسلام والإرهاب
ثالثاً : الإسلام والتعامل مع الآخر
رابعاً : المسلمون والتحديات المعاصرة
المصادر والمراجع
الإســـــــــــــلام
وقبل الشروع في تبيان حقائق الإسلام وأركانه؛ فإن من الواجب أن نتحدث عن اسم (الإسلام).
لفظة الإسلام في اللغة مصدره أسلم يسلم، ومنه السلامة والسلام.
وحين نتحدث في هذه الدراسة عن الإسلام، فإنا نعني الدين الذي أنزله على نبيه محمد ، وسماه بذلك لما تضمنه من الدعوة إلى الاستسلام لله وحده والانقياد والخضوع بالطاعة .
وهذا الاسم لا يستمد اسمه من اسم نبي أو وطن، بل مشتق من خصيصته الأساس التي لم تفارقه في طور من أطواره طوال تاريخ الإنسانية، فهو الاستسلام لله تبارك وتعالى وحده دون سواه.
والإسلام هو دين الله الذي أنزله على جميع الأنبياء، فقد دعوا جميعاً إلى أصول واحدة، تقوم على توحيد الله وتعظيمه وعبادته والاستسلام لأوامره والخضوع لأحكامه والدعوة إلى حراسة فضائل الأخلاق والارتقاء بالسلوك الإنساني.
وأما ما نجده اليوم من تباعد واختلاف بين أتباع الأديان؛ فسببه اندراس الحق وما مرج في رسالات الله السابقة من الباطل.
وقد أطلق الله هذا الاسم الشريف (الإسلام) على المؤمنين في كل حين، كما قال تعالى: ﴿هو سماكم المسلمين من قبل﴾(الحج: 78)، لأن المسلم - المؤمن بأي نبي من أنبياء الله - يمتثل حقيقة الإسلام، فيستسلم لله، وينقاد له بالطاعة، ويقف عند حدوده وشرائعه.
فأبو الأنبياء نوح عليه السلام يقول لقومه: ﴿وأمرت أن أكون من المسلمين﴾(يونس: 72).
وما فتئ إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام يدعوان الله أن يجعلهما من المسلمين:﴿ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمةً مسلمةً لك﴾(البقرة: 128).
وقبيل وفاة يعقوب عليه السلام جمع أبناءه، وأوصاهم بالاستمساك بملة إبراهيم الحنيف المسلم ﴿إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ^ ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ^ أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون﴾ (البقرة:131- 133).
كما طلب موسى عليه السلام من قومه الإذعان لمقتضيات الإسلام الذي دخلوا فيه، فقال: ﴿يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين﴾ (يونس : 84)، فاستجاب لندائه سحرة فرعون وقالوا: ﴿ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين﴾(الأعراف: 126).
وبمثل هذا دعا يوسف عليه السلام ربه حين طلب من الله أن يميته ويحشره مع المسلمين الصالحين: ﴿توفني مسلماً وألحقني بالصالحين﴾ (يوسف: 101).
ولما دخلت ملكة سبأ بلاط سليمان، ورأت علامات نبوته؛ نادت بنداء الإيمان فقالت: ﴿رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين﴾(النمل: 44).
وقد أوضح خاتم النبيين محمدوحدة دين الأنبياء فقال: ((أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعَلات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد)).([1])
وهكذا فإن دين الأنبياء جميعاً واحد، بني على أساس واحد يدعو إلى توحيد الله وإفراده وحده بالعبادة، والاستسلام لأوامره، فهو الإسلام دين الله تعالى: ﴿ إن الدين عند الله الإسلام ﴾(آل عمران: 19)، وهو الدين الذي لا يقبل الله من الناس ديناً سواه ﴿ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين﴾ (آل عمران: 85).
وقد صدق الله إذ قال لنبيه ﴿قل ما كنت بدعاً من الرسل﴾(الأحقاف: 9) فأصول جميع ما أتى به النبي قد سبقه إلى الإتيان بها إخوانه من الأنبياء ﴿إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوحٍ والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبوراً﴾(النساء: 163).
([1])أخرجه البخاري ح (3443)،
والإخوة لعَلات هم الإخوة من أب واحد، وأمهاتهم مختلفات.
أركان الإسلام
إن الإسلام بنيان كبير يشمل الحياة الإنسانية برُمتِّها، وهو يقوم على أركان خمسة، ويوضحها النبي بقوله: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)).([1])
وسوف نمضي سراعاً مع هذه الأركان ومقاصدها، ونتجاوز تفصيلاتها وأحكامها التي يمكن للقارئ أن يطلع عليها في مظانها من كتب التوحيد والفقه.
الركن الأول
الشهادة لله بالتوحيد، ولرسوله محمدبالرسالة
أولاً : الشهادة لله بالتوحيد
إن أهم مسألة توافق الأنبياء على الدعوة إليها وتعريف الناس بها؛ هي الشهادة لله رب العالمين بالوحدانية، والتعريف بصفات الإله العظيم الذي أبدع الكون وخلقه على هذا النسق المذهل العجيب، ومن ثم التأكيد على استحقاقه وحده للعبادة دون سواه.
وبداية؛ فإن مسألة إثبات وجود الله لم تشغل حيزاً كبيراً في القرآن الكريم، ذلك أنها قضية بدهية وحقيقة يجدها المسلم وغيره في أعماق كيانه، فكل شيء في هذا الكون المحيط بنا يدعونا – ضرورة - للاعتقاد الجازم بوجود خالق حكيم مدبر متصف بصفات الكمال، فكل مخلوق حولنا هو في حقيقته شهادة لله على وجوده، بل على عظمته وكماله.
إن البشرية لم تنكر يوماً وجود هذا الإله -وإن اختلفت في تسميته ووصفه - ، فقد اتفقت معتقداتها على وجود خالق مبدع للكون، سماه البعض بواجب الوجود الذي أوجد هذه الممكنات جميعاً.
وحتى ما يسمى بالمذاهب المادية الإلحادية هي في حقيقتها لا تنكر وجود هذه القوة الإلهية التي نسجت الكون وفق قوانين محكمة، بيد أنها هربت من الاسم الذي تدعيه الكنيسة لهذه القوة العظيمة (الله)، ونسبتها إلى تسمية مبتدعة تفتقر إلى الوضوح (الطبيعة وقوانينها)، فاسم الطبيعة لا يدل على شيء محدد، إذ لا يمكن أن يفهم منه أن الإنسان الأول خلق نفسه وهو أحد مكونات الطبيعة، ولا أن ما نراه من بحار زاخرة قد أبدعت نفسها في زمن ما، بينما عمدت الطيور والحيوانات إلى إنتاج الأجناس الحيوانية الأولى، بل وحتى المخلوقات الأبسط كالبكتيريا لا تستطيع أن تهب نفسها وقود الحياة الذي يدبُّ فيها.
إن أحداً لا يخالف في أن هذا الكون من خلق وإبداع خالق عظيم حكيم، هو ربنا ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى{1} الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى{2} وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى{3}﴾ (الأعلى: 1-3)، ولو صدقوا في تسميته لأسموه خالق الطبيعة ومدبر شؤونها ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ{35} أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ{36} أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ{37}﴾ (الطور: 35-37).
ولما سمع الصحابي جبير بن مطعم هذه الآية قال: (كاد قلبي أن يطير).([2])
إن الإلحاد المتمثل في إنكار الخالق شذوذ يستبشعه العقل البشري وتأباه الفطرة السوية، فما الإنسان بخالق نفسه، وإذا كان الإنسان الذي يتميز عن كل الموجودات بما يمتاز به من العقل والإرادة والتسخير عاجزاً عن خلق نفسه؛ فغيره من المخلوقات أعجز، لذا فلا مناص من التسليم بوجود الإله العظيم ، ففي كل زاوية من زوايا الكون آية تدل على وجوده، لا بل تشهد له بالكمال والجلال والعظمة.
وأهم ما توافق الأنبياء على الدعوة إليه؛ وحدانية الله وإفراده بالعباده دون سواه، فهو جوهر رسالاتهم جميعاً ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ{25}﴾(الأنبياء: 25).
وسجل القرآن الكريم مضمون هذه الدعوة على لسان عدد من الأنبياء، فهاهم رسل الله - نوح وهود وصالح وشعيب وغيرهم - يقولون بلسان واحد:﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ{23}( المؤمنون: 23)،
﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ{50}﴿ (هود: 50،،﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{85} (الأعراف: 85).
وكما دعا الأنبياء إلى توحيد الله الواحد؛ فإنهم حذروا أقوامهم من الشرك - سواء أكان المعبود مع الله بشراً أم حجراً أم حيواناً أم ملاكاً - لأن الله أوحى إليهم جميعاً بذلك ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ{65} بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ{66} ﴾(الزمر: 65-66).
وكان المسيح عليه السلام من هؤلاء الأنبياء الذين حذروا أقوامهم من الشرك: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ{72} لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{73}﴾(المائدة: 72-73).
ولما كانت معرفة أسماء الله وصفاته تعجز عن التنبؤ بها العقول وتحار في إدراكها الأفهام وتختلف؛ فإن الله تبارك وتعالى - بمنِّه وفضله - خلّص البشرية من حيرتها، فعرّفها بأسمائه وصفاته حين بعث بوحيه أنبياءه وأنزل على العالمين كتبه، فكان أهم ما حملته النبوات إلى الإنسانية تعريفها بخالقها.
وقد ذكر الله في كتابه الأخير، القرآن الكريم، أن له تبارك وتعالى أسماء حسنى، غاية في الحسن والجلال والكمال ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى{8﴾ (طه: 8)، وهي تدل جميعها على ذات واحدة يدعوها المسلم في صلاته ودعائه ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{180}﴾ (الأعراف: 180).
ومن أسماء الله الحسنى ما جاء في قوله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ{22} هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ{23} هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{24}﴾ (الحشر: 22-24).
وهذه الأسماء الإلهية مع دلالتها على الذات الإلهية فإنها تثبت لله تبارك وتعالى غاية ما تدل عليه من أوصاف الكمال والتنزيه ، فهو الملِك الذي لا نِدَّ له في ملكه، وهو الحكيم الذي لا يُدانى في حكمته، إنه الله العظيم الذي جلَّ عن النظير والمثيل والشبيه ﴿فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{11}﴾ (الشورى: 11)، وهو الله الواحد الأحد ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ{1} اللَّهُ الصَّمَدُ{2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ{4} ﴾ (سورة الإخلاص)، ﴿فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{74}﴾ (النحل: 74).
إن الإيمان بالله الموصوف بصفات العظمة والكمال يهذب السلوك الإنساني، حين يستحضر معية الرب له، فيعلم باطلاع الرب عليه، وهو العليم المحيط القادر على كل شيء، فيستحي المؤمن به أن يراه ربه ومولاه على حال المعصية؛ وهو القوي ذو البأس والبطش الشديد، وأولى منه أن نعبده ونسعى في مراضيه، لنفوز بجنته وعظيم جزاء الرب العفو الغفور الكريم الودود.
وهكذا فالمؤمن يستقيم سلوكه خوفاً من الله وعقابه، وطمعاً في ثوابه وجزائه، وهذا هو حال المؤمنين الذين امتدحهم ربهم ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ{90}﴾ (الأنبياء: 90).
إن المسلم حين يؤمن بالله الواحد الخالق الرازق الذي بيده مقادير الأمور؛ فإنه يلجأ إليه وحده في السراء والضراء، في الصغير من أموره والكبير، ليقينه بمعية الله تعالى للمؤمنين وقربه منهم وإطلاعه على سرائرهم وأعمالهم، وأنه تعالى وحده القدير الذي بيده مقاليد الأمور﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ{82} فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{83}﴾ (يس: 82-83)، وهو تبارك وتعالى الذي ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{12}﴾ (الشورى: 12).
فإذا نظر المرء إلى ما أولاه الله من نعمه وآلائه التي لا تحصى؛ فإنه يفيض قلبه بمحبته ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ{165} ﴾ (البقرة: 165)، وكيف لا يحبه، والله العظيم قد سبق فأحب عباده المؤمنين الطائعين ﴿وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ (البقرة: 195)، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ (البقرة: 222) ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ{146}﴾ (آل عمران: 146) ﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ{13} وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ{14} ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ{15}﴾ (البروج: 13-14-15).
وهذه المحبة لله تجعل المسلم معلق القلب بالله، يرجو رضاه، ومن أعظم ما يتطلع إليه المؤمن نوال الجنة دار الخلود التي أعدها الله لمن أحبه من عباده ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{17}﴾ (السجدة: 17).
ومحبة المسلم لربه تجعله يمتنع عن كل يغضب الرب الذي يحبه ، فيكره ما كرهه محبوبه، والله لا يكره ولا يمقت إلا السيء من القول والعمل والخلق ﴿وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً{107}﴾ (النساء: 107) ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ (المائدة: 64) ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ{87}﴾ (المائدة: 87).
----------------------
([1]) أخرجه البخاري ح (8)، ومسلم ح (16).
([2]) أخرجه البخاري ح (4854).
ثانياً: الشهادة بأن محمداً رسول الله
وحتى تقوم حجة الله على خلقه أرسل الله الرسل، وختمهم بمحمد ، وجعله رسوله إلى العالمين ﴿ وما أرسلناك إلا كافةً للناس بشيراً ونذيراً ﴾ (سبأ: 28)، فهي مزيته على سائر إخوانه من الأنبياء ((كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة)).([1])
والنبي هومحمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشي، ولد يتيماً بمكة المكرمة عام 571م، ونشأ فيها، وحين بلغ الأربعين من العمر آتاه الله النبوة، حين نزل عليه الملاك جبريل بالوحي وهو في غار حراء شرق مكة المكرمة، فدعا قومه إلى الإسلام، فآمن به رهط قليل، وامتنع عن الإيمان به سادة قبيلته (قريش) الذين خافوا من ذهاب زعامتهم وزوال امتيازاتهم، فكذبوه وآذوه، وقتلوا بعضاً من أصحابه وعذبوهم بأشد أنواع النكال والعذاب.
فهاجر النبي والمؤمنون معه إلى يثرب (المدينة المنورة)، وأقام فيها المجتمع الإسلامي الممتثل بهدي الله، وكان أول ما صنعه النبي فيها أن بنى مسجده فيها وآخى بين المسلمين بآصرة العقيدة على اختلاف أجناسهم وأوطانهم، ثم عقد مع يهود المدينة معاهدة للتعايشِ المشترك الآمن فيها والتعاضد على حماية المدينة.
وفي المدينة المنورة دعا النبي العرب والعجم إلى الإيمان به، فأرسل الرسل إلى ملوك الأرض وحكامها يشرح لهم مبادئ دينهم، فآمن به بعضهم، وناوأه غيرهم، وأرسلوا إليه الجيوش، فقاتل من عاداه وأعاق دعوته، حتى نصره الله بنصره، ولم يغادر النبي الدنيا عام 633م حتى أقر الله عينيه بانتشار الإسلام في سائر الجزيرة العربية.
وقد أيد الله النبيَّ بما يشهد على نبوته من دلائل وبراهين، كما أُيد بذلك من سبقه من إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وخصه الله عنهم بدليل ساطع يدوم بدوام رسالته ، فلا تنقضي دلالته بتقادم الأزمان، ولا تبلى بتصرم الأيام، وهو القرآن العظيم، الكتاب المعجِز الذي بهر العالمين، وعجز عن الإتيان بمثله الأولون، ولن يأتي بسورة من مثله الآخرون ﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً﴾ (الإسراء: 88) ، يقول : ((ما من الأنبياء من نبي، إلا قد أُعطي من الآيات، ما مثلٌه آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أُوتيتُ وحياً أَوحى اللهُ إليّ، فأرجو أن أكون أكثرَهم تابعاً يوم القيامة)).([2])
فقد حوى القرآن من العلوم ما حير بأسبقيته وعمقه العلماء، كيف لا وقد أنزله الله العليم بكل شيء ﴿ لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً﴾ (النساء: 166).
فقد سبق القرآن العلم الحديث إلى وصف نشأة الخلق في الماضي السحيق، حين أشار إلى ما يسميه العلماء اليوم بنظرية الانفجار الكبير ( bangBig)، فقال تعالى: ﴿ثم استوى إلى السماء وهي دخانٌ فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين ﴾ (فصلت: 11)، وقال تعالى: ﴿أولم يرَ الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيءٍ حي أفلا يؤمنون﴾ (الأنبياء: 30).
كما تحدث القرآن عن اتساع الكون وتمدده في قوله تعالى: ﴿ والسماء بنيناها بأييدٍ وإنا لموسعون﴾ (الذاريات: 47)، وذكر دوران الشمس والقمر والأرض في أفلاك مستديرة ﴿والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ^ والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ^ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلكٍ يسبحون﴾ (سورة يس: 38-40)، فهذه الأخبار وغيرها علوم دقيقة لم تعرفها البشرية قبل ولا بعد إلا في أواسط القرن المنصرم.
ومما يبهر العقول من أخبار القرآن التي سبق فيها العلم الحديث؛ إخباره بمراحل تطور الجنين في بطن أمه وصور تخلقه:﴿ يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من ترابٍ ثم من نطفةٍ ثم من علقةٍ ثم من مضغة مخلقةٍ وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجلٍ مسمى ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً وترى الأرض هامدةً فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوجٍ بهيج﴾(الحج: 5).
إن هذا الوصف الدقيق لمراحل الجنين أذهل البرفسور مارشال جونسون رئيس قسم التشريح ومدير معهد دانيال بجامعة توماس جيفرسون بفلادلفيا بالولايات المتحدة الأمريكية، فقال: "إنني كعالم أستطيع فقط أن أتعامل مع أشياء أستطيع أن أراها بالتحديد، أستطيع أن أفهم علم الأجنة وتطور علم الأحياء، أستطيع أن أفهم الكلمات التي تترجم لي من القرآن .. إنني لا أرى شيئاً، لا أرى سبباً، لا أرى دليلاً على حقيقة تفند مفهوم هذا الفرد محمد [ ] الذي لابُد وأنه يتلقى هذه المعلومات من مكان ما، ولذلك إنني لا أرى شيئاً يتضارب مع مفهوم: أن التدخل الإلهي كان مشمولاً فيما كان باستطاعته أن يبلغه".
ويضيف البرفسور كيـث ل مور مؤلف الكتاب الشهير "أطوار خلق الإنسان" ( The Developing Human) الذي يعتبر مرجعاً معتمداً في كليات الطب العالمية: "يتضح لي أن هذه الأدلة حتماً جاءت لمحمد من عند الله، لأن كل هذه المعلومات لم تكشف إلا حديثاً وبعد قرون عدة، وهذا يثبت لي أن محمداً رسول الله".([3])
﴿ قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً﴾ (الفرقان: 6).
وهكذا فإن هذه الأخبار الغيبية العلمية - وغيرها مما يطول الحديث بذكره - دليل الله الساطع على نبوة النبي ، فمثل هذه العلوم يستحيل تحصيلها في تلك الأزمنة ، وخاصة من رجل أميّ نشأ في بيئة جاهلة﴿ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد﴾(سبأ: 6).
ومما يشهد له بالنبوة ما أوتيه من حسن سيرة وخلق عظيم ، فقد وصفه ربه تبارك وتعالى: ﴿وإنك لعلى خلقٍ عظيمٍ﴾ (القلم: 4)، وقد غلب لقبه (الصادق الأمين) على اسمه، فصار علماً عليه بين أهل مكة، لذا قال ملكُ الروم هرقل لأبي سفيان عدو النبي حينذاك: "أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله .. يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف .. فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدميَّ هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلُص إليه لتجشمتُ لقاءه، ولو كنتُ عنده لغسلتُ عن قدمه".([4])
إن مدعيي النبوة إنما ينتحلونها سعياً وراء الكسب الدنيوي الرخيص، سواء أكان هذا الكسب مالاً يسابقون إلى جمعه ليستمتعوا به أو ليورثوه إلى أهليهم من بعدهم، أم كان جاهاً بين الناس يرفع من قدرهم، فيشار لهم بالبنان، ويوسع لهم في المجالس....
فهل كان النبي من هذا الصنف أو ذاك؟
إن نظرة سريعة على سمته تكشف لنا ما كان عليه النبي محمد من تواضع وزهد في الدنيا جمعهما النبي ، فأوضح خلالهما نبل أخلاقه وطهر سلوكه، بل ودلل على نبوته ورسالته.
ومن زهده أنه: (ما ترك عند موته درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمَة ولا شيئاً؛ إلا بغلتَه البيضاء وسلاحَه، وأرضاً جعلها صدقة).([5])
وهذه الأرض هي أرض فدك التي منعها خليفة النبي أبو بكر الصديق من ورثته، وقال لهم: إن رسول الله قال: ((لا نورث، ما تركنا صدقة))، وأضاف الصديق: "لست تاركاً شيئاً كان رسول الله يعمل به إلا عملت به، فإني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ".([6])
إن الذي تركه النبي ليس ميراثاً يغتنون به من بعده، بل دَيْناً يؤدونه من بعده، فقد مات ، ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين صاعاً من شعير.([7])
لقد كان يحذر أن يغادر الدنيا وقد أخذ منها مغنماً ، إذ تذكر زوجته عائشة رضي الله عنها أنه كان في بيتها بعضُ قطعٍ من ذهب، فقال لها رسول الله : ((ما فعلتْ الذهبُ .. ما ظن محمد بالله لو لقي الله عز وجل وهذه عنده؟ أنفقيها)).([8])
وليس تعففه عن شهوة الجاه بأقل من تعففه عن شهوة المال، فقد قال له رجل: يا سيدَنا وابنَ سيدِنا، ويا خيرَنا وابنَ خيرِنا. فقال عليه الصلاة والسلام: ((يا أيها الناس عليكم بتقواكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بنُ عبدِ الله، عبدُ الله ورسولُه، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل)).([9])
وكان يمقت كل مظاهر الكِبْر والترفع على الناس، ومنه كراهيته أن يقوم له أصحابُه إذا دخل المجلس، يقول صاحبه أنس بن مالك: (ما كان شخصٌ أحبَّ إليهم من رسول الله ، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا؛ لِما يعلمون من كراهيته لذلك).([10])
إنه رسول تتلألأ عليه صفات الكمال الإنساني، أتاه رجل فجعلت فرائصُه ترْعَد، فقال له : ((هون عليك فانى لست بملِكٍ، إنما أنا ابن امرأةٍ تأكل القديد)). ([11])
وتحكي زوجه عائشة رضي الله عنها عن حاله داخل بيته، فتكشف لنا أن تواضعه ليس خلقاً يتزين به أمام الناس، بل خَلَّة شريفة لم تفارقه، فقد سُئلت : ما كان يصنع في بيته؟ فقالت: (كان يكون في مهنة أهله - تعني: خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة)، وفي رواية: (كان بشراً من البشر، يَفْلي ثوبه، ويحلِب شاته، ويخدِمُ نفسَه).([12])
وأما صاحبه ابن مسعود، فيحكي عن تناوب النبي على الراحلة - وهو منطلق إلى بدر – مع اثنين من أصحابه، وكانا يودان لو بقي النبي على الراحلة، وأنهما يمشيان عنه، لكنه كان يقول لهما: ((ما أنتما بأقوى مني، وما أنا بأغنى عن الأجر منكُما)). ([13])
وهنا نسأل: ماذا أفاده دعواه النبوة من متاع الدنيا؟ أفهكذا يصنع الأدعياء؟!
وإن من دلائل نبوته ما آتاه الله من المعجزات الحسية التي خرق الله فيها لنبيه نواميس الكون إظهاراً لنبوته، وقد فاقت هذه المعجزات في عددها الألف، منها أن الله أطعم ببركته يوم الخندق زهاء ألف رجل من بهيمة واحدة وجِراب فيه صاعٌ من شعير لا يربو وزنه على ثلاث كيلوات.([14])
كما تفجر الماء من بين أصابعه، حتى سقى الله من يديه الجموع الكثيرة من أصحابه.([15])
وشفى الله على يديه المرضى، ومنهم محمد بن حاطب، فقد انكفأ على ذراعه قدر ماء يغلي، فتفل النبي في فيه، ومسح على رأسه، ودعا له، فقام صحيحاً ما به بأس ولا علة([16]) ، وكذلك مسح على رجل عبد الله بن عتيك الأنصاري لما كُسرت، فقام من بين يديه وقد شفيت.([17])
ومما يشهد بالنبوة لمحمد بشارة الكتب السابقة به، فهذه الكتب رغم ما تعرضت له من تغيير وتبديل؛ فإنها ما تزال تحمل شهادات صادقة تدل على نبوة النبي محمد ، ومن ذلك بشارة النبيين موسى وحبقوق به حين بشرا بنبي قدوس طاهر يخرج من بلاد فاران، ففي سفر التثنية المنسوب إلى موسى عليه السلام أنه قال لبني إسرائيل قبيل وفاته: "جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران" (التثنية 33/2)، فقد أخبرهم عليه السلام بأنه كما جاءت رسالة الله إليه على جبل الطور في سيناء، فإن النبوة ستشرق من جبل سعير في وسط فلسطين، وذلك بنبوة عيسى عليه السلام، ثم ستتلألأ النبوة من فوق جبل فاران بنبي عظيم يخرج فيها.
وأكد سفر النبي حبقوق البشارةَ بالنبي المبعوث في فاران، فقال: "والقدوس من جبل فاران، جلاله غطى السماوات، والأرض امتلأت من تسبيحه" (حبقوق 3/3)، فمن هو هذا العبد الطاهر ذو الهيبة الذي يخرج من فاران، وتمتلئ الأرض من تسبيحه وتسبيح أتباعه؟ وأين هي فاران التي تلألأت النبوة على جبلها؟
وحتى لا نتيه بعيداً نذكر أن اسم فاران تستخدمه التوراة في حديثها عن مكة المكرمة، فقد جاء في سفر التكوين أن إسماعيل عليه السلام نشأ وتربى في برية فاران، يقول السِّفر عن إسماعيل: " كان الله مع الغلام فكبر .. وسكن في برية فاران " (التكوين 21/21)، ففاران هي الحجاز التي لا تختلف المصادر التاريخية على نشأة إسماعيل في ربوعها.
وبهذا وأمثاله قامت حجة الله على خلقه في نبوة محمد .
والإقرار بنبوته يستلزم من المسلم الاعتراف باطناً وظاهراً أنه عبد الله ورسوله إلى الناس كافة، والعمل بمقتضى ذلك، بطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يُعبد الله إلا بما شرع، ﴿وأرسلناك للناس رسولاً وكفى بالله شهيداً ^ من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً﴾ (النساء: 79-80)، وقال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيءٍ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً﴾ (النساء: 59).
ومن مقتضيات الإيمان به التأسي بهديه وسلوكه وأخلاقه ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً﴾ (الأحزاب: 21).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
([1])أخرجه البخاري ح (438)، ومسلم ح (521).
([2]) أخرجه البخاري ح (4981)، ومسلم ح (152) واللفظ له.
([3])إنه الحق، هيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة برابطة العالم الإسلامي (ص 49، 51-52، 81، 116-120).
([4])أخرجه البخاري ح (7)، ومسلم ح (1773).
([5])أخرجه البخاري ح (2739).
([6]) أخرجه البخاري ح (3093)، ومسلم ح (1757).
([7]) أخرجه أحمد ح (2719).
([8]) أخرجه أحمد ح (24964).
([9])أخرجه أحمد ح (12141).
([10])أخرجه أحمد ح (11936)، والترمذي ح (2754)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
([11])أخرجه ابن ماجه ح (3312)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه ح (2677)
([12]) أخرجه البخاري ح (676)، وأحمد ح (25662)
([13])أخرجه أحمد ح (3769).
([14]) انظره في البخاري ح (4102)، ومسلم ح (2039).
([15])انظره البخاري ح (169)، ومسلم ح (2279).
([16])انظره في مسند أحمد ح (15027).
([17])انظره في البخاري ح (4039).
والقديد هو اللحم المجفف.
الركن الثاني: إقام الصلاة([2]) أخرجه البخاري ح (4981)، ومسلم ح (152) واللفظ له.
([3])إنه الحق، هيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة برابطة العالم الإسلامي (ص 49، 51-52، 81، 116-120).
([4])أخرجه البخاري ح (7)، ومسلم ح (1773).
([5])أخرجه البخاري ح (2739).
([6]) أخرجه البخاري ح (3093)، ومسلم ح (1757).
([7]) أخرجه أحمد ح (2719).
([8]) أخرجه أحمد ح (24964).
([9])أخرجه أحمد ح (12141).
([10])أخرجه أحمد ح (11936)، والترمذي ح (2754)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
([11])أخرجه ابن ماجه ح (3312)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه ح (2677)
([12]) أخرجه البخاري ح (676)، وأحمد ح (25662)
([13])أخرجه أحمد ح (3769).
([14]) انظره في البخاري ح (4102)، ومسلم ح (2039).
([15])انظره البخاري ح (169)، ومسلم ح (2279).
([16])انظره في مسند أحمد ح (15027).
([17])انظره في البخاري ح (4039).
والقديد هو اللحم المجفف.
الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي عمود الدين وركنه الركين.
وقد فرضها الله عز وجل على المسلمين، ومنها ما شرع وجوباً، وهو الصلوات الخمس، فهي أول حق الله على عباده، ومنها ما يؤديه المسلم تطوعاً وتحبباً إلى الله الذي خلقه وأنعم عليه بآلائه التي لا تحصى.
والصلاة لما لها من الأثر العظيم البالغ في تهذيب النفوس وتقويم السلوك وفي تقوية الإيمان؛ فرضها الله على الأنبياء والأمم السابقة، فلم تخل منها شريعة من الشرائع، وقد حكى القرآن وصاة الله بها لأنبيائه وأقوامهم، فقد دعا إبراهيم أبو الأنبياء ربه فقال:﴿ربّ اجعلني مقيم الصّلاة ومن ذرّيتي﴾ (إبراهيم:40)، فاستجاب الله دعاءه فكان ابنه إسماعيل من المصلين ﴿وكان يأمر أهله بالصّلاة والزّكاة وكان عند ربّه مرضيّاً﴾ (مريم: 55).
ومن بعدهما خاطب الله نبيه موسى عليه السلام فقال:﴿إنّني أنا اللّه لا إلـه إلا أنا فاعبدني وأقم الصّلاة لذكري﴾ (طه: 14)، وأوصى العذراء البتول بالصلاة فقال: ﴿يا مريم اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الركعين﴾ (آل عمران: 42)، وبيَّن المسيح عليه السلام أمر الله تعالى له بالصلاة، فقال وهو في المهد:﴿إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً ^ وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصّلاة والزّكاة ما دمت حيّاً﴾ (مريم: 30-31).
وأخذ الله الميثاق على بني إسرائيل أن يحافظوا على الصلاة﴿وإذ أخذنا ميثـاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاّ اللّه وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتـامى والمساكين وقولوا للنّاس حسناً وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة﴾ (البقرة: 83).
ومن بعدهم جاء نبينا يدعو إلى ما دعا إليه إخوانه الأنبياء من تعظيم الله وعبادته والصلاة له، وقد أمره الله بها، فقال:﴿وأمُر أهلك بالصّلاة واصطبر عليها﴾ (طه: 132)، وامتدح الله في وحيه إليه عباده المصلين فقال:﴿الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم بالآخرة هم يوقنون ^ أولئك على هدًى من ربهم وأولئك هم المفلحون﴾ (لقمان: 4-5)، ووعدهم بالجنة جزاء عليها: ﴿والذين هم على صلواتهم يحافظون ^ أولئك هم الوارثون ^ الّذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون﴾ (المؤمنون: 9-11).
وما زال النبييوصي بالصلاة لله وعبادته حتى فاضت روحه إلى باريها، يقول خادمه وصاحبه أنس: كان آخر وصية رسول الله وهو يُغرغر بها في صدره، وما كان يفيض بها لسانه: ((الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم)). ([1])
وحين شرع الله الصلاة وغيرها من العبادات؛ فإنه تبارك وتعالى لم يكن يستكثر بها من قلة، ولا يستقوِ بها من ضعف، فهو عز وجلّ لا تزيده طاعة الطائعين، ولا تنقصه معصية العاصين، وإنما شرعها لمنفعة العباد وتزكية أنفسهم وتهذيب ضمائرهم وتقويم سلوكهم وصلاح دنياهم وأخراهم.
وأول ما تحققه الصلاة في المؤمن أنها تنير حياته وتؤنسها بذكر الله، فقد وصفها النبي بأنها نور، فقال: ((من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة)). ([2])
وقال: ((والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء)). ([3])
وقوله : ((والصلاة نور)) معناه: أنها تمنع المصلي من المعاصي، وتنهاه عن الفحشاء والمنكر، وتهديه إلى الصواب كما النور الذي يستضاء به.
فأما اجتناب المسلم للكبائر من الذنوب والفواحش، فسببه أن الصلاة تذكره - فينة بعد فينة -بحق الله عليه وبمراقبته له، فيرعوي وينزجر عن محارمه، قال تعالى: ﴿اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون﴾ (العنكبوت: 45).
ولما أُخبر النبيعن رجل يصلي بالليل، فإذا أصبح سرق؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((إنه سينهاه ما يقول)). ([4]) أي في صلاته ما سيزجره ويقوِّم سلوكه.
وكما تبعد الصلاة المؤمن عن الكبائر والفواحش؛ فإنها سبب في مغفرة الله للصغائر من الذنوب التي يلم بها المرء عامداً أو جاهلاً، فيعود بصلاته قريباً من الله العفو الكريم، لأن الصلاة صلة بين العبد وربه، فقد كان يقول: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفراتٌ ما بينهنَّ؛ إذا اجتنب الكبائر)). ([5])
وفي حديث آخر سأل النبي أصحابه: ((أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يومٍ خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟)) فقالوا: لا يبقى من درنه شيء، فقال : ((فذلك مثلُ الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا)). ([6])
والصلاة فرصة للمسلم للاستجمام من أتعاب الدنيا، فالمسلم حين يقوم للصلاة يناجي ربه ومولاه؛ يطمئن قلبه بهذه الصلة مع ربه﴿الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ (الرعد: 28)، لذلك كان يقول لمؤذنه بلال: ((يا بلال أرحنا بالصلاة)). ([7]) وكان يفزع إليها كلما حزبه أمر، ويقول: ((جعلت قرة عيني في الصلاة)). ([8])
وأخيراً؛ فلأهمية هذه العبادة سماها النبي عمود الدين، وأخبر أنها أول ما يحاسب الله الناس عليه يوم القيامة، فقال: ((إنّ أول ما يُحاسبُ به العبدُ يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر)). ([9])
-----------------
([1]) أخرجه أبو داود ح (5156)، وابن ماجه ح (2698)، وأحمد ح (586)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه ح (2698).
([2]) أخرجه أحمد ح (6540)، وابن حبان في صحيحه ح (1467)، ووثق الهيثمي رجاله في مجمع الزوائد (1/292).
([3]) أخرجه مسلم ح (223).
([4])أخرجه أحمد ح (9486).
([5])أخرجه مسلم ح (233).
([6]) أخرجه البخاري ح (528)، ومسلم ح (666).
([7])أخرجه أبو داود ح (4985)، وأحمد في المسند ح (32578)، واللفظ له.
([8])أخرجه النسائي ح (3939)، وأحمد في المسند ح (11884).
([9])أخرجه الترمذي ح (413)، والنسائي ح (464)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي ح (337).
الركن الثالث : إيتاء الزكاة
يتقلب الناس في هذه الدنيا في نعم الله التي آتاهم، ويستمتعون فيها بما منحهم الله من المال والسعة واليسار الذي به تزدان الحياة وتزهو.
وحتى يسعد الجميع في أرض الله؛ فإن الله جعل النصيب الأوفر من رزقه لبعض الناس ابتلاء واختباراً، وأوجب لإخوانهم من الفقراء والمساكين وغيرهم حقاً معلوماً في أموال الأغنياء التي آتاهم الله إياها﴿وآتوهم من مال الله الذي آتاكم﴾ (النور: 33)، وهذا الحق المعلوم هو الزكاة، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام.
وما يدفعه المسلم من ماله فإنما هو طهرة له من ذنوبه وآثامه، وهو سبب في تزكية نفسه وسموها في معارج الطاعة﴿خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها﴾ (التوبة: 103).
وأما الامتناع عن أداء الزكاة فهو خيانة لحق الفقير، يتوعد الله فاعله بأليم العذاب:﴿والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذابٍ أليمٍ ^ يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنـزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنـزون﴾ (التوبة: 34-35).
وفي الحديث أن النبي قال: ((ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم، فيجعل صفائح، فيكوى بها جنباه وجبينه حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار)). ([1])
وكما أوجب الله هذا الحق؛ فإنه بيَّن أنصبته ومقاديره والأموال التي يجب فيها، ولم يترك الأمر إلى أذواق الأغنياء وسعة إحسانهم﴿والذين في أموالهم حق معلوم ^ للسائل والمحروم﴾ (المعارج: 24-25).
وقد راعى الإسلام في مقدار الزكاة مصلحة الغني والفقير، فالغني إنما يدفع 2.5% فقط من أمواله النقدية وتجاراته التي مر عليها عام وهي في حوزه، أي هي مما زاد عن حاجاته ومصروفاته، فهذا هو الحق المعلوم، وأما ما عداه فهو الصدقات غير الواجبة التي يستبق بها المسلمون إلى محبة الله وعظيم رضوانه.
وأما الأموال التي أوجب الله فيها الزكاة فهي الذهب والفضة وما يقابلهما من النقود والأسهم والتجارات، وكذلك ما يعطيه الله للمسلم من زروع وثمار وأنعام﴿يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض﴾ (البقرة: 267).
وأما المستحقون لأخذ الزكاة فهم أصناف ثمانية، جمعتهم الآية القرآنية:﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضةً من الله والله عليمٌ حكيمٌ﴾ (التوبة: 60).
وأداء الزكاة ينبغي أن يصان بضوابط أخلاقية عالية تجعل من هذا الإنفاق عبادة سامية لله لا يخالطها كِبر ولا استعلاء ولا مِنَّة على الفقير، فقد وصف الله المؤمنين بقوله: ﴿الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذًى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون ^ قولٌ معروفٌ ومغفرةٌ خيرٌ من صدقةٍ يتبعها أذًى والله غني حليمٌ ﴾ (البقرة: 262-263).
والمسلم يقصد بصدقاته وزكاته مرضات الله وجميل ثوابه، وأما المنفق للسمعة والمفاخرة فإن نفقته مردودة عليه ، لا بل هو متوعد بالعذاب في الآخرة، ففي الحديث عن النبيأن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، فذكر منهم رجل تصدق لا ليرضى عنه الله، بل ليقال عنه جواد([2])، وهو ما يحبط هذه العبادة، ويوجب العقوبة عليها بدلاً من المثوبة ﴿من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون ^ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطلٌ ما كانوا يعملون﴾ (هود: 15-16).
إن هذه الشرعة الربانية صورة من صور التراحم والتلاحم، تحفظ للمجتمع وحدته وتحقق تماسكه، حتى يكون الجميع فيه كالجسد الواحد، قال : ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)). ([3])
--------------------
([1]) أخرجه مسلم ح (987).
([2]) الحديث أخرجه مسلم ح (1905).
([3]) أخرجه البخاري ح (6011) ومسلم ح (2585)
الركن الرابع : صوم رمضان
الصيام هو رابع أركان الإسلام، وهو عبادة فرضها الله في شهر رمضان([1])، وفيه يمتنع المسلم عن الطعام والشراب والجماع ومقدماته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
والصيام فرضه الله على المسلمين وعلى الأمم قبلهم لغاية عظيمة، يجليها قول الله تعالى:﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾ (البقرة: 183)، فغاية هذه العبادة تدريب المؤمن على حياة التقوى واجتناب المناهي، وتربيته على السيطرة على إرادته وضبطها، وعدم الانسياق وراء الرغبات الجسدية، وتحريره من أسر الشهوات والعبودية للملذات، فالمسلم الذي يترك في نهار رمضان الحلال من الطعام والشراب والمتع؛ فإنه من باب أولى يمتنع عن الحرام منها في ليل رمضان وفي سائر الأيام والليالي.
وقد أخبر النبيبأثر الصيام في ضبط الغرائز بقوله: ((من كان منكم ذا طول فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لا فالصوم له وجاء)).([2])
ويصف النبي الصيام بأنه وقاية للمسلم، بما يحتمه عليه من معاني فاضلة وأخلاق سامية: ((والصيام جُنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم)).([3])وفي حديث آخر: ((الصوم جُنة ما لم يخرقها)). ([4])
وقد فقه الصحابي جابر بن عبد الله قول النبي فقال: (إذا صُمتَ؛ فليصم سمعك وبصرك، ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء). ([5])
وأما إذا لم يعطِ الصيام ثمرته السلوكية فقد أضحى عملاً ميتاً لا روح فيه، وقد قال رسول الله : ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)). ([6])
وهذا العمل الذي لا روح فيه لا يؤجر المسلم عليه ((رُبَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورُبَّ قائم حظه من قيامه السهر)). ([7])
ومما يتعلمه المسلم في مدرسة رمضان تحسس مشاعر الفقراء والإحساس بمعاناتهم، وما يستجيشه ذلك من بذل وكرم وإنفاق في سبيل الله، فقد حكى ابن عباس ابن عم النبي عنه، فقال: (كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان .. فلَرسول اللهأجود بالخير من الريح المرسلة). ([8])
وقد شرع الإسلام لأولئك الذين لا يقدرون على مشاركة المسلمين صيامهم لمرض ونحوه، شرع لهم إطعام المساكين فدية للصيام الذي عجزوا عنه، فلئن فاتهم مشاركة الفقراء والمحرومين في ألم الجوع، فلن يفوتهم المساهمة في إطعامهم ورفع جوعهم ﴿وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون﴾ (البقرة: 184).
ولتعدد حكم هذه العبادة فإن النبي ما فتئ يوصي بها أصحابه، فقد قال له أبو أمامة: مُرني بأمر آخذه عنك؟ فقال r: ((عليك بالصيام؛ فإنه لا مِثل له)). ([9])
---------------
([1])شهر رمضان هو الشهر التاسع من شهور السنة القمرية.الصيام هو رابع أركان الإسلام، وهو عبادة فرضها الله في شهر رمضان([1])، وفيه يمتنع المسلم عن الطعام والشراب والجماع ومقدماته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
والصيام فرضه الله على المسلمين وعلى الأمم قبلهم لغاية عظيمة، يجليها قول الله تعالى:﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾ (البقرة: 183)، فغاية هذه العبادة تدريب المؤمن على حياة التقوى واجتناب المناهي، وتربيته على السيطرة على إرادته وضبطها، وعدم الانسياق وراء الرغبات الجسدية، وتحريره من أسر الشهوات والعبودية للملذات، فالمسلم الذي يترك في نهار رمضان الحلال من الطعام والشراب والمتع؛ فإنه من باب أولى يمتنع عن الحرام منها في ليل رمضان وفي سائر الأيام والليالي.
وقد أخبر النبيبأثر الصيام في ضبط الغرائز بقوله: ((من كان منكم ذا طول فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لا فالصوم له وجاء)).([2])
ويصف النبي الصيام بأنه وقاية للمسلم، بما يحتمه عليه من معاني فاضلة وأخلاق سامية: ((والصيام جُنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم)).([3])وفي حديث آخر: ((الصوم جُنة ما لم يخرقها)). ([4])
وقد فقه الصحابي جابر بن عبد الله قول النبي فقال: (إذا صُمتَ؛ فليصم سمعك وبصرك، ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء). ([5])
وأما إذا لم يعطِ الصيام ثمرته السلوكية فقد أضحى عملاً ميتاً لا روح فيه، وقد قال رسول الله : ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)). ([6])
وهذا العمل الذي لا روح فيه لا يؤجر المسلم عليه ((رُبَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورُبَّ قائم حظه من قيامه السهر)). ([7])
ومما يتعلمه المسلم في مدرسة رمضان تحسس مشاعر الفقراء والإحساس بمعاناتهم، وما يستجيشه ذلك من بذل وكرم وإنفاق في سبيل الله، فقد حكى ابن عباس ابن عم النبي عنه، فقال: (كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان .. فلَرسول اللهأجود بالخير من الريح المرسلة). ([8])
وقد شرع الإسلام لأولئك الذين لا يقدرون على مشاركة المسلمين صيامهم لمرض ونحوه، شرع لهم إطعام المساكين فدية للصيام الذي عجزوا عنه، فلئن فاتهم مشاركة الفقراء والمحرومين في ألم الجوع، فلن يفوتهم المساهمة في إطعامهم ورفع جوعهم ﴿وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون﴾ (البقرة: 184).
ولتعدد حكم هذه العبادة فإن النبي ما فتئ يوصي بها أصحابه، فقد قال له أبو أمامة: مُرني بأمر آخذه عنك؟ فقال r: ((عليك بالصيام؛ فإنه لا مِثل له)). ([9])
---------------
([2])أخرجه النسائي ح (3206).
([3]) أخرجه البخاري ح (1904)، ومسلم ح (1151).
([4]) أخرجه النسائي ح (2235)، وأحمد ح (1692).
([5]) أخرجه ابن أبي شيبة ح (2/422).
([6]) أخرجه البخاري ح (1903).
([7]) أخرجه ابن ماجه ح (1690)، وأحمد ح (8639).
([8])أخرجه البخاري ح (6)، ومسلم ح (2308).
([9]) أخرجه النسائي ح (2221)، وأحمد ح (21636).
الركن الخامس : حج بيت الله الحرام
الحج عبادة بدنية فرضها الله على المسلم في العمر مرة واحدة، حيث يفد المسلمون من أصقاع الأرض إلى قبلتهم في مكة المكرمة، ليؤدوا مناسك حجهم في أيام معلومات، يحققون فيها المقاصد التي أرادها الله من تشريع هذه العبادة التي أمر بها أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام حين قال له:﴿وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فج عميقٍ ^ ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيامٍ معلوماتٍ على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير﴾ (الحج: 27-28).
فنادى إبراهيم، ولبى المؤمنون من كل حدب وصوب، وأدوا المناسك كما أداها إبراهيم عليه السلام، وحافظوا على سنة الخليل إبراهيم عليه السلام، كما قالللمسلمين في مناسك الحج: ((كونوا على مشاعركم؛ فإنكم اليوم على إرث من إرث إبراهيم)).([1])
والحج دورة تدريبية للمسلم على ممارسة السلام، فمناسكه تؤدى في البلد الحرام الذي يأمن فيه الطير والشجر والإنسان، قال : ((إن هذا البلد حرمه الله، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها)).([2])
والحج أيضاً مظهر من مظاهر المساواة والوحدة بين المسلمين ، حيث يجتمع فيه المسلمون من كل حدب وصوب، في لباس واحد، على صعيد واحد، لا يتقدم فيهم غني على فقير، ولا أبيض على أسود، وقد خطب النبي أصحابه في أيام الحج ، فقال: ((يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى)). ([3])
ومن مقاصد الحج ذكر الله تعالى وتعظيمه واستغفاره مما سلف من الذنوب والعصيان﴿ فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ^ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم﴾ (البقرة: 198-199).
وكما كان المشعر الحرام لذكر الله، فإن أيام مِنى هي أيضاً كذلك﴿واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى﴾ (البقرة: 203).
فإذا انتهت مناسك الحج؛ فإن المسلم مطالب بلزوم ذكر الله في سائر أيامه﴿فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً﴾ (البقرة: 200).
ومن مناسك الحج وشعائره ذبح الهدي قرباناً لله عز وجل، قال تعالى:﴿والبُدْن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير﴾ (الحج: 36)، وفي مقدمة هذا الخير تحقيق تقوى الله وتمثلها في حياتنا السلوكية ﴿لن ينال اللهَ لحومُها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم﴾ (الحج: 37).
ومن أعظم مقاصد الحج تهذيب سلوك المسلم الحاج، قال تعالى:﴿الحج أشهرٌ معلوماتٌ فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب﴾ (البقرة: 197)، فالحاج ينبغي عليه اجتناب المعاصي ليتحقق له الغفران والخلوص من الذنوب والمعاصي، قال r: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق؛ رجع كيوم ولدته أمه)). ([4])
والحج الذي تتوافر فيه هذه الشروط ويحقق تلك المعاني يسميه الرسول r بالحج المبرور، فيقول: ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)). قيل: وما بره؟ قال: ((إطعام الطعام وطيب الكلام)).([5])
وهكذا فإن أركان الإسلام تهدف جميعاً إلى تزكية المسلم وتهذيب سلوكه وربط قلبه بربه تبارك وتعالى.
لكن الإسلام ليس هذه الأركان فحسب، إنه هبة الله للبشرية ، إنه الدين الذي يعالج مشكلات الإنسانية على اختلافها، فينظم علاقة الإنسان بربه، ثم بأخيه الإنسان، ثم بالكون من حوله، وهو الدين الذي يقوم على تحقيق التوازن بين مطالب الجسد ومطالب الروح، ويشبع العقل ويروي العاطفة.
ولسوف يتجلى لنا بهاء هذه الحقيقة ونحن نتحدث عن مفهوم العبودية في الإسلام.
الحج عبادة بدنية فرضها الله على المسلم في العمر مرة واحدة، حيث يفد المسلمون من أصقاع الأرض إلى قبلتهم في مكة المكرمة، ليؤدوا مناسك حجهم في أيام معلومات، يحققون فيها المقاصد التي أرادها الله من تشريع هذه العبادة التي أمر بها أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام حين قال له:﴿وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فج عميقٍ ^ ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيامٍ معلوماتٍ على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير﴾ (الحج: 27-28).
فنادى إبراهيم، ولبى المؤمنون من كل حدب وصوب، وأدوا المناسك كما أداها إبراهيم عليه السلام، وحافظوا على سنة الخليل إبراهيم عليه السلام، كما قالللمسلمين في مناسك الحج: ((كونوا على مشاعركم؛ فإنكم اليوم على إرث من إرث إبراهيم)).([1])
والحج دورة تدريبية للمسلم على ممارسة السلام، فمناسكه تؤدى في البلد الحرام الذي يأمن فيه الطير والشجر والإنسان، قال : ((إن هذا البلد حرمه الله، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها)).([2])
والحج أيضاً مظهر من مظاهر المساواة والوحدة بين المسلمين ، حيث يجتمع فيه المسلمون من كل حدب وصوب، في لباس واحد، على صعيد واحد، لا يتقدم فيهم غني على فقير، ولا أبيض على أسود، وقد خطب النبي أصحابه في أيام الحج ، فقال: ((يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى)). ([3])
ومن مقاصد الحج ذكر الله تعالى وتعظيمه واستغفاره مما سلف من الذنوب والعصيان﴿ فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ^ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم﴾ (البقرة: 198-199).
وكما كان المشعر الحرام لذكر الله، فإن أيام مِنى هي أيضاً كذلك﴿واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى﴾ (البقرة: 203).
فإذا انتهت مناسك الحج؛ فإن المسلم مطالب بلزوم ذكر الله في سائر أيامه﴿فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً﴾ (البقرة: 200).
ومن مناسك الحج وشعائره ذبح الهدي قرباناً لله عز وجل، قال تعالى:﴿والبُدْن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير﴾ (الحج: 36)، وفي مقدمة هذا الخير تحقيق تقوى الله وتمثلها في حياتنا السلوكية ﴿لن ينال اللهَ لحومُها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم﴾ (الحج: 37).
ومن أعظم مقاصد الحج تهذيب سلوك المسلم الحاج، قال تعالى:﴿الحج أشهرٌ معلوماتٌ فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب﴾ (البقرة: 197)، فالحاج ينبغي عليه اجتناب المعاصي ليتحقق له الغفران والخلوص من الذنوب والمعاصي، قال r: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق؛ رجع كيوم ولدته أمه)). ([4])
والحج الذي تتوافر فيه هذه الشروط ويحقق تلك المعاني يسميه الرسول r بالحج المبرور، فيقول: ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)). قيل: وما بره؟ قال: ((إطعام الطعام وطيب الكلام)).([5])
وهكذا فإن أركان الإسلام تهدف جميعاً إلى تزكية المسلم وتهذيب سلوكه وربط قلبه بربه تبارك وتعالى.
لكن الإسلام ليس هذه الأركان فحسب، إنه هبة الله للبشرية ، إنه الدين الذي يعالج مشكلات الإنسانية على اختلافها، فينظم علاقة الإنسان بربه، ثم بأخيه الإنسان، ثم بالكون من حوله، وهو الدين الذي يقوم على تحقيق التوازن بين مطالب الجسد ومطالب الروح، ويشبع العقل ويروي العاطفة.
ولسوف يتجلى لنا بهاء هذه الحقيقة ونحن نتحدث عن مفهوم العبودية في الإسلام.
-----------------------------
([1]) أخرجه الترمذي ح (833)، وأبو داود ح (1919)، وابن ماجه ح (3011)، والحاكم ح (1699)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ح (1675).
([2]) أخرجه البخاري ح (1587)، ومسلم ح (1353).
([3])أخرجه أحمد ح (22978).
([4]) أخرجه البخاري ح (1521).
([5]) أخرجه أحمد ح (14073)، وابن خزيمة ح (2514).
مفهوم العبادة في الإسلام
خلق الله الإنسان على هذه الأرض لغاية شريفة، تسمو بوجوده عن سائر المخلوقات التي تعيش على الأرض للأكل والشرب والجنس، هذه الغاية هي عبادة الله تبارك وتعالى ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ^ ما أريد منهم من رزقٍ وما أريد أن يطعمون ^ إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين﴾ (الذاريات: 56-58).
لكن مفهوم العبادة في الإسلام ليس محصوراً في صلوات وتمتمات وطقوس تمارس في أوقات محددة، بل هو أوسع من ذلك بكثير، إنه منهج للحياة الإنسانية برُمَّتها ﴿ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ^ لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين﴾ (الأنعام: 162-163)، فلا يعرف المسلم لحظة يقضيها بعيداً عن عبادة مولاه.
ويرفض مفهوم الإسلام للعبادة وجود وسطاء بين الله وعباده، فليس في الإسلام كهنوت أو رجال دين، فالمسلم يصلي وحده وفي جماعة المسلمين، في المسجد أو في البيت أو في أي مكان طاهر تدركه فيه صلاة؛ من غير حاجة إلى وسيط أو بناء محدد، قال : ((وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة؛ فليصل)). ([1])
وإذا ما قصر المسلم في حق الله أو طمع في خير عنده؛ فإنه يطلب من الله بُغيته من غير وسيط يعترف له، ولا شفيع يرجو شفاعته ﴿ والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ^ أولئك جزاؤهم مغفرةٌ من ربهم وجناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين﴾ (آل عمران: 135-136).
وأيضاً يرفض الإسلام قصر الدين على العلاقة بين العبد وربه فحسب، ويعتبر هذا قصوراً يقعد بالدين عن الغاية التي أنزل الله لأجلها الكتب وبعث لتحقيقها الأنبياء، وهي إصلاح الحياة الإنسانية، والقيام بواجب الاستخلاف في أرض الله وفق منهجه وشرائعه ، فلأجل هذا خلق الله أبانا آدم ﴿ وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفةً ﴾ (البقرة: 30)، وهذا الاستخلاف لآدم يمتد ليشمل ذريته من بعده ﴿ هو الذي جعلكم خلائف في الأرض ﴾ (فاطر: 39)، ويسميه الله في آية أخرى بعمارة الأرض ﴿هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ﴾ (هود: 61).
ومن هنا كان مفهوم الإسلام للعبادة شمولياً، فالعبادة في الإسلام هي فعل كل ما يحبه الله ويرضاه من الأفعال والأقوال الظاهرة والباطنة، فهي لا تتوقف عند مظاهر الشعائر الظاهرة، بل تتناول أفعال القلب واللسان والجوارح.
تغطي هذه العبادة دوائر عدة في حياة المسلم، أولها: علاقته مع الله خالقه، وثانيها: ما يتعلق بالإنسان من آداب خاصة كالنظافة الشخصية وآداب الممارسات الحياتية، كالطعام والشراب والنوم والجنس وقضاء الحاجة واللباس، وثالثها: علاقته مع أسرته ومجتمعه، ورابعها: علاقته مع الأسرة الإنسانية، وأخيراً: علاقته مع بيئته والكون من حوله.
وكل ذلك في ترابط فريد، وتمازج متناغم لا يقبل الفصام النكد الذي يعزل الدين عن مناحي الحياة الإنسانية، ويحبسه داخل المعبد، فقد قال الله مبكتاً صنيع السابقين: ﴿ أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزيٌ في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافلٍ عما تعملون ^ أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون﴾ (البقرة: 85-86).
إن التمازج في الإسلام بين الدين والدنيا، والروح والجسد، والدنيا والآخرة، والفرد والمجتمع؛ حقيقة ساطعة عبرت عنها آيات عديدة في القرآن ، فعلى سبيل المثال تجمع الآيات القرآنية العلاقة مع الله جنباً إلى جنب مع الأخلاق والمعاملة مع الناس من غير تفريق، كما في قوله تعالى: ﴿ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون﴾ (البقرة: 177).
ومثله في قوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً{36} الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً{37} وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاء قِرِيناً{38}﴾ (النساء: 36-38).
ويؤكد الإسلام على شموليته بالتنبيه على بعض العبادات المتعلقة بحقوق العباد، فيقول : ((تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة)).([3])
إن حرص المسلم على هذه المحبة الإلهية يدفعه لبذل الخير والمسابقة فيه حتى للحيوان الأعجم، فقد قال : ((ما من مسلم يغرِس غرساً إلا كان ما أُكِل منه له صدقة، وما سُرق منه له صدقة، وما أَكل السبُع منه فهو له صدقة، وما أكلتْ الطيرُ فهو له صدقة، ولا يرزؤه أحدٌ [أي يسأله] إلا كان له صدقة)).([5])
وأما ثمرات العبادة التي يؤديها المسلم لربه، فهي كثيرة، منها اطمئنان قلبه واستقامة جوارحه، وهو ما يُكسب المرء سعادة الدنيا، وهي عاجل نصيبه من الخير ، الذي ليس آخره ما نشهده من استقرار نفسي واجتماعي في حياة المسلمين الملتزمين بهدي الإسلام، فهو ثمرة من ثمرات الطاعة والإيمان ﴿ من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينه حياةً طيبةً ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون﴾ (النحل: 97).
لكن الجزاء الأكبر الذي يحوزه المؤمن - بعبادته لربه - هو جنة الله ورضوانه ﴿يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاعٌ وإن الآخرة هي دار القرار ^ من عمل سيئةً فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حسابٍ﴾ (غافر: 39-40).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) أخرجه البخاري ح (335)، ومسلم ح (521).
([2]) أخرجه مسلم ح (25).
([3])أخرجه الترمذي ح (1956).
([4])أخرجه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج، وحسّن الألباني إسناده في السلسلة الصحيحة ح (906).
([5])أخرجه مسلم ح (1552).
([6]) أخرجه البخاري ح (174)، و مسلم ح (2244).
([7])تشير إحصائية منظمة الصحة العالمية - التي صدرت في اليوم العالمي لمنع الانتحار والاهتمام بالصحة العقلية في العاشر من شهر سبتمبر من العام 2006م – إلى أن عشرين مليون شخص يحاولون الانتحار سنوياً، وأن الذين ينجحون ويموتون فعلياً منتحرين يربو على مليون شخص سنوياً.العبادة و الأخلاق
ومن أهم ما بعث الله الأنبياء من أجله؛ تزكية عباده وتحليتهم بالخُلق الحسن والسلوك الأقوم، وقد امتن الله على البشرية بمحمد الذي دعا إلى تزكية نفوسهم وخلوصها من عيوبها وآفاتها﴿لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آيـاته ويزكيهم ويعلمهم الكتـاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين﴾ (آل عمران: 164).
فتزكية النفوس بالأخلاق الفاضلة هدف رئيس في بعثة الأنبياء ، ومنهم محمد القائل: ((إمنا بعثت لأتمم صالح الأخلاق)). ([1])
وقد قدم القدوة الحسنة لأصحابه حين تمثل جميل الأخلاق وصفات الكمال، ممتثلاً ما يوحي الله إليه في القرآن ، فكان في خُلقه كما وصفه ربه ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ (القلم: 4)، وصادقت على هذا الوصف زوجه عائشة فقالت: (كان خلقه القرآن)([2]) ، وأكده صاحبه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بقوله: لم يكن النبي فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: ((إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً)).([3])
إن الأهمية البالغة للأخلاق جعلت النبي يربط خيرية المسلم عند الله بحسن الخلق الذي يثقل في الميزان حسنات المؤمن ويحببه إلى الله، فقد قال : ((ما شيءٌ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء))([4])، فحسن الخلق يحسب للعبد في ميزانه بمثابة عبادتي الصوم والقيام لله في الليل، وهما من أفضل العبادات وأرفعها في ميزان المسلم، يقول : ((إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)).([5])
ووفق هذه الحيثية فإن حسن الخلق أوسع باب يوصل إلى الجنة، ولما سئل رسول الله عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: ((تقوى الله وحسن الخلق)).([6])
إن صاحب الخلق الحسن ليس في الجنة فحسب، بل هو في أعلاها، ففي الحديث عن رسول الله أنه قال: ((أنا زعيمٌ ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)).([7])
وأعلى الجنة هو جزاء الله للأنبياء، فينعم صاحب الخلق الحسن برفقتهم كما قال : ((إن أحبكم إليَّ وأقربكم مني في الآخرة محاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة مساويكم أخلاقاً، الثرثارون المتفيهقون المتشدقون).([8])
وهذه الأهمية للأخلاق تنبع من كونها جزءاً من الإيمان، فلا يكمل إيمان المسلم إلا بالتزامه بها، ولا يزهر إيمانه إلا بمقدار ما يتحقق فيه منها، فإذا نقصت أخلاق المرء نقص إيمانه، وإن زادت زاد، يقول أنس بن مالك: ما خطبنا نبي الله إلا قال: ((لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)) ([9])، وكان يقول: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحبلأخيه ما يحب لنفسه)).([10])
وكان يقول: ((خصلتان لا يجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق)).([11])
والأخلاق الفاضلة التي صانها الإسلام وتعبَّد المسلمين بتمثُلِها كثيرة، وليس بأقل منها ما حذر منه من أخلاق مستقبحة مستبشعة، ونكتفي بإيراد بعض النصوص المتحدثة عن الأخلاق، فلعله يغني عن الكثير من الشرح والتطويل:
قال تعالى: ﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون﴾ (النحل: 90).
وقال:﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون﴾ (الأنفال: 27).
وقال: ﴿ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعِمَّا يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً﴾ (النساء: 58).
وقال:﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾ (التوبة: 119).
وقال:﴿ الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار﴾ (آل عمران: 17).
([1])أخرجه أحمد ح (8729) واللفظ له، والبخاري في الأدب المفرد ح (273)، وصححه الألباني في الصحيحة (45).
([2])أخرجه أحمد ح (24080).
([3]) أخرجه البخاري ح (3559) ، ومسلم ح (2321).
([4]) أخرجه الترمذي ح (2002)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب ح (2641).
([5]) أخرجه أبو داود ح (4798)، وأحمد ح (24492)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ح (2643).
([6])أخرجه الترمذي ح (2004)، وابن ماجه ح (4246)، وأحمد ح (9403)، والبخاري في الأدب المفرد ح (289)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب ح (2642). ([3]) أخرجه البخاري ح (3559) ، ومسلم ح (2321).
([4]) أخرجه الترمذي ح (2002)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب ح (2641).
([5]) أخرجه أبو داود ح (4798)، وأحمد ح (24492)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ح (2643).
([7])أخرجه أبو داود ح (4800)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب ح (2648).
([8]) أخرجه أحمد ح (17278)، وحسنه الألباني في الصحيحة (2/379) بشواهده.
([9]) أخرجه أحمد ح (11975).
([10]) أخرجه البخاري ح (13)، ومسلم ح (45).
([11]) أخرجه الترمذي ح (1962)، قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: "صحيح لغيره" ح (2608).
([8]) أخرجه أحمد ح (17278)، وحسنه الألباني في الصحيحة (2/379) بشواهده.
([9]) أخرجه أحمد ح (11975).
([10]) أخرجه البخاري ح (13)، ومسلم ح (45).
([11]) أخرجه الترمذي ح (1962)، قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: "صحيح لغيره" ح (2608).
يتبع بإذن الله
فخ العسكرى للقضاء على الثوره :
ردحذف__________________________________________________
العسكري منذ البداية قال : بس اخلع انت يا حسني واحنا هنجيب لك حقك من ولاد الـ,,,, دول.
1- استفتاء لتقسيم الشعب إلى فرق وأحزاب
2-إثارة الرعب من السلفيين
3- استفزازات الجمل
4 - وقاحة السلمي الوفدي الليبرالي.
5 - توريط الإسلاميين في برلمان مجمد ليس له أي صلاحيات ومصادم للحكومة.
6- اختلاق الحكومة للأزمات ( سولار - بنزين - غاز - عيش - فوضى وبلطجة وقطع طرق ) مما يجعل الشعب يترحم على أيام مبارك.
6 - المماطلة في تأسيس الدستور.
7 - إقصاء مرشحي الرئاسة المصادمين للنظام.
8 - وأخيرا التلويح بأن جيشنا العظيم في حالة تأهب ضد تهديدات إسرائيل لدخول سيناء واعتبارها مصر منظمة إرهابية يجب مواجهاتها، مما يجعل الشعب يطبل للمجلس ويقول له ( بالروح .. بالدم .. نفديك ياطنطن )
وأي خدمة يا حسني ، واللي كلف .. ماماتش، فقد رجعنا إلى نقطة البداية بسلام ، والله الموفق والمستعان .
حال لسان الفلول يقول الآن .. هرمنا طوال سنة ونصف من اجل هذه اللحظة .. هرمنا .
http://el-shahedy.blogspot.com/
ردحذفhttp://el-shahedy.blogspot.com/
ردحذفمدونه رائعه
ردحذف