النبي الكريم رحمة للعالمين
أولًا : عموم رحمته للإنس والجن والمؤمنين والكافرين والحيوان
قال الله تعالى :(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )(سورة الأنبياء آية : 107 .) ، فالمؤمنون به(صلى الله عليه وسلم) قبلوا هذه الرحمة ، وشكروها ، وغيرهم كفرها ، وبدَّلوا نعمة الله كفرًا ، وأبوا رحمة الله ونعمته (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنَّان ، للسعدي ، ص532 ) . قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( من آمن بالله واليوم الآخر كتب له الرحمة في الدنيا والآخرة ، ومن لم يؤمن بالله ورسوله عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف )(أخرجه الطبري في تفسيره جامع البيان ، 18/552 .) .
قال الإمام الطبري رحمه الله :( أولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي رُوي عن ابن عباس : وهو أن الله أرسل نبيه محمدًا (صلى الله عليه وسلم)رحمة لجميع العالم : مؤمنهم وكافرهم ، فأما مؤمنهم فإن الله هداه به وأدخله بالإيمان به وبالعمل بما جاء به من عند الله الجنة ، وأما كافرهم فإنه دفع به عنه عاجل البلاء الذي كان ينزل بالأمم المكذبة رسلها من قبله ) (جامع البيان للطبري ، 18/552 .) .
ومما يدل على أن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم عامة للعالم ؛ حديث أبي هريرة رضى الله عنه قال :{ قيل : يا رسول الله ! ادعُ على المشركين ، قال : إني لم أُبعث لَعَّانًا وإنما بُعِثْتُ رحمةً }(مسلم البر والصلة والآداب (2599) .)
وحديث حذيفة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :{ أيُّما رجل من أمتي سببته سبةً أو لعنته لعنةً في غضبي ؛ فإنما أنا من ولد آدم ، أغضب كما يغضبون ، وإنما بعثني رحمة للعالمين ، فاجعلها عليهم صلاة يوم القيامة }(مسلم ، برقم 1955 )
وجاء في الحديث عن أبي هريرةرضى الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :{ إنما أنا رحمةٌ مهداةٌ }(الدارمي المقدمة (15) .)
وقد قال صلى الله عليه وسلم :{ أنا محمد ، وأحمد ، والمُقَفِّي ، والحاشر ، ونبي التوبة ، ونبي الرحمة }(مسلم الفضائل (2355) ، أحمد (4/395) .)
ثانيًا : الأمثلة التطبيقية وأنواعها
النوع الأول :رحمته صلى الله عليه وسلم لأعدائه
المثال الأول:رحمته صلى الله عليه وسلم لأعدائه في الجهاد :
وقد شملت رحمته صلى الله عليه وسلم الأعداء حتى في قتالهم ومجاهدتهم ؛ فإن قوة الجهاد في سبيل الله تعالى في شريعته صلى الله عليه وسلم لها ضوابط ينبغي أن يلتزم بها المجاهدون في سبيل الله – تعالى – ومن ذلك قوله تعالى : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )(سورة البقرة آية : 190 .) ، فيدخل في ذلك ارتكاب المناهي : من المثلة ، والغلول ، وقتل النساء ، والصبيان ، والشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال ، والرُّهبان ، والمرضى ، والعُمي ، وأصحاب الصَّوامع ؛ لكن من قاتل من هؤلاء أو استعان الكفَّار برأيه قتل (انظر : المغني لابن قدامة 13/175 - 179 .) .
ويدخل في ذلك قتل الحيوان لغير مصلحة ، وتحريق الأشجار ، وإفساد الزُّروع والثِّمار ، والمياه ، وتلويث الآبار ، وهدم البيوت(انظر : تفسير ابن كثير 1/227 وعناصر القوة في الإسلام ص212 .) وقد«وُجدت امرأةٌ مقتولة في بعض مغازي رسول الله r فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان» (البخاري برقم 3014 ، ورقم 3015 ) ؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميرًا على جيش أوسريَّة أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا ، ثم قال : { اغزوا بسم الله في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ، ولا تُمثِّلوا ، ولا تقتلوا وليدًا ، وإذا لقيت عدوَّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال . . . }(مسلم الجهاد والسير (1731))ثم بيَّنها صلى الله عليه وسلم كالآتي :
( أ ) الإسلام والهجرة ، أو إلى الإسلام دون الهجرة ، ويكونون كأعراب المسلمين .
( ب ) فإن أبوا الإسلام دعاهم إلى بذل الجزية .
( ج ) فإن امتنعوا عن ذلك كله استعان بالله وقاتلهم مسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث (زاد المعاد 3/100 ) .
المثال الثاني :وفاؤه بالعهد مع أعدائه صلى الله عليه وسلم :
من أعظم الضوابط في الجهاد الوفاء بالعهد وعدم الخيانة ؛ لقول الله تعالى :( وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ )(سورة الأنفال آية : 58 .) .
فإذا كان بين المسلمين والكفار عهد أو أمان فلا يجوز للمسلمين الغدر حتى ينقضي الأمد ، فإن خاف المسلمون من أعدائهم خيانةً ، بأن ظهر من قرائن أحوالهم ما يدل على خيانتهم من غير تصريح منهم بالخيانة ، فيحنئذٍ يخبرهم المسلمون أنه لا عهد بيننا وبينكم حتى يستوي علم المسلمين وعلم أعدائهم بذلك .
ودلت الآية على أنه إذا وُجِدَت الخيانة المحققة من الأعداء لم يحتج أن يُنبذ إليهم عهدهم ؛ لأنه لم يُخَف منهم بل عُلم ذلك .
ودل مفهوم الآية أيضًا أنه إذا لم يُخف منهم خيانة ؛ بأن لم يوجد منهم ما يدل على ذلك ، أنه لا يجوز نبذ العهد إليهم ، بل يجب الوفاء إلى أن تتم مدته(انظر : تفسير ابن كثير 2/321 ، وتفسير السعدي 3/183 - 184 .) .
ولهذا قال سليم بن عامر : كان بين معاوية وبين الروم عهد ، وكان يسير نحو بلادهم حتى إذا انقضى عهدهم غزاهم ، فجاء رجل على فرس أو بِرْذَونٍ وهو يقول : الله أكبر ، وفاء لا غدر . فنظروا فإذا عمرو بن عبسة ، فأرسل إليه معاوية – رضى الله عنه – فسأله ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(من كان بينه وبين قومٍ عهدٌ فلا يشدُّ عقدة ولا يحلها حتى ينقضيَ أمَدُها أو ينبذ إليهم على سواء )(الترمذي السير (1580) ) فرجع معاوية (أبو داود ، كتاب الجهاد ) . وهذا كلُّه يدلُّ على أن الهدف والمراد من الجهاد هو إعلاء كلمة الله عزَّ وجل .
المثال الثالث :دفعه صلى الله عليه وسلم نزول العذاب على أعدائه :
ومن الأمثلة العظيمة على هذه الرحمة التي شملت حتى أعدائه صلى الله عليه وسلم قصَّته مع مَلَك الجبال حينما بعثه الله إليه ؛ ليأمره بما شاء عندما آذاه المشركون ، فجاء ملك الجبال وسلَّم عليه وقال :{ يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال ، وقد بعثني ربِّي إليك لتأمرني بأمرك ، فما شئت ؟ إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين ( والأخشبان جبلان عظيمان في مكة ، تقع مكة بينهما ) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لملك الجبال : بل أرجوا أن يخرج اللهُ من أصلابهم من يعبُد الله وحده لا يُشرك به شيئًا }(البخاري برقم 3231 ، ومسلم برقم 1795 .) .
المثال الرابع :سلامة قلبه صلى الله عليه وسلم وحُبُّه الخير لليهود وغيرهم:
ومن الأمثلة العظيمة لرحمته صلى الله عليه وسلم حديث أنس رضى الله عنه قال :{ كان غلام يهوديٌّ يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له : أسلم فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال : له أطع أبا القاسم ، فأسلم ، ( وفي رواية النسائي فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ) ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه من النار } (البخاري الجنائز (1290)) ( وفي رواية أبي داود : أنقذه بي من النار ) . وغير ذلك كثير .
النوع الثاني : رحمته للمؤمنين
قال الله تعالى :( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )(سورة التوبة آية : 128 .) ، فقد بعث الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم للناس كافة ، وهو من أنفس المؤمنين خاصة ، يعرفون حاله ، ويتمكنون من الأخذ عنه ، وهو في غاية النصح لهم ، والسعي في مصالحهم ، ويشق عليه الأمر الذي يشق عليهم ، ويحب لهم الخير ، ويسعى جاهدًا في إيصاله إليهم ، ويحرص على هدايتهم إلى الإيمان ، ويكره لهم الشر ، وهو شديد الرأفة والرحمة بهم ، أرحم بهم من والديهم ؛ ولهذا كان حقُّهُ مُقدَّمًا على سائر حقوق الخلق ، وواجب على الأمة الإيمان به ، وتعظيمه ، وتعزيره وتوقيره(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، للسعدي ، ص357 .) .
وقال الله عزوجل( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا )(سورة الأحزاب آية : 6 .)، أقرب مال للإنسان نفسه ، فالرسول أولى به من نفسه ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم بذل لهم النصح والشفقة والرأفة ؛ فلذلك وجب على العبد إذا تعارض مراد نفسه مع مراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُقدِّمَ مُراد الرسول صلى الله عليه وسلم وأن لا يُعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس ، كائنًا من كان ، وأن يُقدِّم محبَّته على محبَّة الناس كلهم (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، ص659 .) .
وقال سبحانه وتعالى :(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ )(سورة آل عمران آية : 159 .). وقد قال صلى الله عليه وسلم{ اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه ، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به } (مسلم الإمارة (1828) ، أحمد (6/258) .) وقالصلى الله عليه وسلم{ أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاءً فعلينا قضاؤُهُ ، ومن ترك مالًا فهو لورثته } (البخاري الفرائض (6350) ).
النوع الثالث :رحمته للناس جميعًا
1 - عن جرير بن عبد الله رضى الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{ من لا يَرحَمِ الناس لا يَرحَمُه الله عزوجل } (البخاري التوحيد (6941) ) .
2 - وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال :سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول :{لا تُنزعُ الرحمة إلاَّ من شقي } (الترمذي البر والصلة (1923) ، أبو داود الأدب (4942) .) .
3 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{ الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء ، الرَّحِمُ شُجنةٌ من الرحمن ، فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله }(الترمذي البر والصلة (1924) ، أبو داود الأدب (4941) .) .
النوع الرابع :رحمته للصبيان
1 - عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال :جاء شيخٌ يريد النبي صلى الله عليه وسلم فأبطأ القوم عنه أن يُوسِّعوا له فقال النبي صلى الله عليه وسلم :{ ليس مِنَّا من لم يرحم صغيرنا ، ويوقِّرُ كبيرنا }(الترمذي البر والصلة (1919) ) .
2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { ليس مِنَّا من لم يرحم صغيرنا ، ويعرف شرف كبيرنا } (الترمذي البر والصلة (1920) ، أحمد (2/222) .).
النوع الخامس :رحمتهُ للبنات
1 - عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{ لا يكون لأحد ثلاث بنات ، أو ثلاث أخوات ، أو بنتان ، أو أختان فيتقي الله فيهنَّ ويحسن إليهنَّ إلا دخل الجنة }(الترمذي البر والصلة (1912) ، أبو داود الأدب (5147) .) .
2 - وعن أنس رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{ مَن عال بنتين أو ثلاثًا ، أو أختين أو ثلاثًا حتى يَبِنَّ(حتى يَبِنَّ : أي ينفصلن عنه بتزويج أو موت ) أو يموت عنهن كُنتُ أنا وهو في الجنة كهاتين وأشار بأصبعه الوسطى والتي تليها } (أحمد في المسند ، 19/481 ، برقم 12498 ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ، 2/428 ) .
النوع السادس :رحمته للأيتام
1 - عن أبي هريرة رضى الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة } (مسلم الزهد والرقائق (2983) ، أحمد (2/375) .) وأشار مالك أحد رواة الحديث بالسبابة والوسطى (مسلم ، برقم 2983 ، والبخاري من حديث سهل بن سعد برقم 605 .) .
2 - عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رجلًا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه ، فقال له :{ امسح رأس اليتيم ، وأطعم المسكين }(أحمد (2/387) .) .
النوع السابع :رحمته للمرأة والضعيف
1 - عن أبي هريرة رضى الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{ اللهم إنِّي أُحَرِّج (أحرج : أي أضيقه وأحرمه على من ظلمهما . النهاية في غريب الحديث ، 1/361 .) حقَّ الضعيفين : اليتيم والمرأة }(ابن ماجه برقم 3678 ، وحسَّنه الألباني في صحيح ابن ماجه ، 2/298 .) .
2 - وعن عامر بن الأحوص رضى الله عنه أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ، وذَكَّرَ ووعظ ثم قال : { استوصوا بالنساء خيرًا ؛ فإِنهنَّ عندكم عوانٍ ، ليس تملكون منهنَّ شيئًا غير ذلك } (الترمذي تفسير القرآن (3087) ، ابن ماجه النكاح (1851) .)
3 - وعن أنس رضى الله عنه قال :إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل بيتًا بالمدينة غير بيتِ أُمِّ سُليْمٍ إلا على أزواجه ، فقيل له . فقال : { إني أرحمها ، قُتل أخوها معي } (البخاري الجهاد والسير (2689) ، مسلم فضائل الصحابة (2455) .) .
النوع الثامن :رحمتهُ للأرملة والمسكين
1 - عن أبي هريرة رضى الله عنه قال :قال النبي صلى الله عليه وسلم : { الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ، أو القائم الليل الصائم النهار }(البخاري النفقات (5038) )
ولفظ مسلم :{ الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ، وكالقائم لا يفتر ، والصائم لا يفطر } (البخاري الأدب (5661) ).
2 - عن عبد الله بن أبي أوفى رضى الله عنه قال :{ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثِرُ الذِّكر ، ويُقِلُّ اللَّغْوَ ، ويُطيل الصلاة ، ويقصر الخطبة ، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين يقضي له الحاجة }(النسائي الجمعة (1414) ، الدارمي المقدمة (74) .).
3 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : { ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ، فما نزل حتى جيَّش (جيَّش : أي تَدَفَّقَ وجرى الماء .) كل ميزاب بالمدينة ، فأذكر قول الشاعر : كل ميزاب بالمدينة ، فأذكر قول الشاعر :
وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه.... ثِمَالُ (ثمال : أي غياث .) اليتامى عصمة
و هو قول أبي طالب}( ابن ماجه ، برقم 1272 ، وحسَّنه الألباني في صحيح ابن ماجه ، 1/382 ).
والأرملة : المرأة التي مات زوجها ، والأرمل الرجل الذي ماتت زوجته ، وسواء كانا غنيين أو فقيرين ، ويُقال لكلِّ واحدٍ من الفريقين على انفراده : أراملُ ، وهو بالنساء أخصُّ وأكثر استعمالًا (النهاية في غريب الحديث ، 2/66 .) ؛ ولهذا قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه( لئن سلَّمَني اللهُ تعالى لأَدَعَنَّ أرامل العراق لا يحتجن إلى رجلٍ بعدي أبدًا ) (البخاري ، برقم 3700 .) .
فاتضح من الأحاديث آنفة الذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرحم الأرامل والمساكين ، ويَحُثُّ على العناية بهم ، وسدِّ حاجاتهم ، فصلوات الله وسلامه عليه .
4 - عن أمِّ بُجيدٍ رضي الله عنها ، أنها قالت : { يا رسول الله صلى الله عليك : إن المسكين ليقومُ على بابي فما أجد له شيئًا أُعطيه ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم تجدي له شيئًا تُعطينه إيَّاه إلا ظلفًا مُحرَّقًا فادفعيه إليه في يده } (الترمذي الزكاة (665) ، النسائي الزكاة (2574) ، أبو داود الزكاة (1667) ، أحمد (6/383) .) وهذا فيه رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالمساكين وحثَّه على إطعامهم ، على حسب القدرة والاستطاعة رحمةً بهم ، وشفقةً عليهم .
النوع التاسع :رحمته لطلاب العلم والشفقة عليهم
1 - عن أبي سعيد رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( سيأتيكم أقوامٌ يطلبون العلم ، فإذا رأيتموهم فقولوا : مرحبًا مرحبًا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقنوهم )قلت للحكم : ما أقنوهم ؟ قال : علِّموهم(الترمذي ، برقم 2650 ، 2651 ، وابن ماجه برقم 247 ، وحسَّنه الألباني في صحيح ابن ماجه 1/98 .) .
2 - عن مالك بن الحويرث رضى الله عنه قال :(أتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شَبَبَةٌ متقاربون فأقمنا عنده عشرين يومًا وليلة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا رفيقًا ، فلما ظنَّ أنَّا قد اشتهينا أهلنا أو قد اشتقنا ( وفي رواية : فلما رأى شوقنا إلى أهالينا ) سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه ، قال : ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم ، وعلِّموهم ، ومروهم ، . . . وصلُّوا كما رأيتموني أصلي ، فإذا حضرت الصلاة فليؤذِّن لكم أحدُكم وليؤمُّكم أكبَرُكُم )(البخاري الأذان (605) ، مسلم المساجد ومواضع الصلاة (674) ، النسائي الأذان (635) ، أحمد (5/53) ، الدارمي الصلاة (1253) .) وهذا فيه شفقة النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته لطلاب العلم .
النوع العاشر :رحمته للأسرى
عن أبي موسى رضى الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فُكُّوا العاني - يعني الأسير - وأطعموا الجائع ، وعُودوا المريض } (البخاري الجهاد والسير (2881) ) وهذا الحديث فيه رحمة النبي صلى الله عليه وسلم للأسرى المسلمين ، والأمر بفَكِّهم ، والأمر بإطعام الجائع ، وعيادة المريض .
النوع الحادي عشر :رحمته للمرضى والشفقة عليهم
1 - عن أبي هريرة رضى الله عنه قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ قيل : ما هُنَّ يا رسول الله ؟ قال : إذا لقيته فسلِّم عليه ، وإذا دعاك فأجبه ، وإذا استنصحك فانصح له ، وإذا عطس فحمد الله فشمته ، وإذا مرض فعده ، وإذا مات فاتبعه } (البخاري الجنائز (1183) ) .
2 - عن ثوبان رضى الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{ من عاد مريضًا لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع ، قيل : يا رسول الله ! وما خرفة الجنة ؟ قال : جناها } (مسلم البر والصلة والآداب (2568) ، الترمذي الجنائز (967) ، أحمد (5/281) .).
3 - عن علي رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { ما من مسلم يعودُ مسلمًا غدوة إلا صلَّى عليه سبعون ألف ملكٍ حتى يُمسي ، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يُصبح ، وكان له خريفٌ في الجنة } (الترمذي الجنائز (969) ، أبو داود الجنائز (3098) .) .
4 - عن ابن عباس رضي الله عنهما :عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { مَن عاد مريضًا لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات : أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ، إلاَّ عافاه الله من ذلك المرض }(الترمذي الطب (2083) ، أبو داود الجنائز (3106) ، أحمد (1/352) .) .
وهذه الأحاديث فيها الرحمة الظاهرة من النبي r بالمرضى ، ورغبته العظيمة في نفعهم وشفائهم ، وترغيبه لأمته في العناية بالمرضى وإدخال السرور عليهم .
النوع الثاني عشر :رحمتهُ للحيوان والطير والدواب
1 - في حديث أبي هريرة{ أن رجلًا وجد كلبًا يأكل الثرى من العطش ، فسقاه فغفر الله له ، قالوا : يا رسول الله ! وإنَّ لنا في البهائم أجرًا ؟ قال : في كُلِّ كبدٍ رطبة أجر } (البخاري المساقاة (2234)) وفي لفظ للبخاري :{ فشكر الله له فأدخله الجنة } (لبخاري الوضوء (172) ، مسلم السلام (2244) ، أبو داود الجهاد (2550) ، أحمد (2/375) ، مالك الجامع (1729) .) .
2 - عن أبي هريرةرضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ غُفِرَ لامرأة مومسةٍ مرَّت بكلبٍ على رأس ركيٍّ كاد يقتله العطش ، فنزعت خُفَّها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فغُفر لها بذلك }(البخاري بدء الخلق (3143) ، أحمد (2/510) .) (البخاري برقم 3321 .) .
3 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :{ عُذِّبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعًا فدخلت فيها النار ، لا هي أطعمتها ولاسقتها إذ حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض }(البخاري أحاديث الأنبياء (3295) ) (البخاري برقم 2365 ) .
4 - عن أنس رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :{ ما من مسلم يغرس غرسًا أو زرعًا ، فيأكل منه طير ، أو إنسان ، أو بهيمة إلا كان له به صدقة }(البخاري المزارعة (2195) ) (البخاري ) .
5 - عن ابن عباس رضي الله عنهما : { أن رجلًا أضجع شاةً وهو يحدُّ شفرته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أَ تُريدُ أن تُميتَها موتاتٍ هَلاَّ أحددتَ شفرتك قبل أن تُضْجِعَهَا ؟ }(الحاكم ، 4/233 ، وصححه على شرط الشيخين ) .
6 - وعن شداد بن أوس رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{ إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَةَ ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِبْحَةَ ، وليُحِدَّ أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته }(مسلم ، برقم 1955 ) .
7 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما يرفعه قال :{ من قتل عصفورًا فما فوقها بغير حقِّها ( إلا سأله ) الله عزوجل عنها يوم القيامة قيل : يا رسول الله فما حقُّها ؟ قال : أن تذبحها فتأكلها ولا تقطع رأسها فَيُرمى بها } (النسائي الضحايا (4445) ، أحمد (2/210) .)يقول ابن باز رحمه الله :( قتل العصفور لا يجوز إذا كان للتلاعب ، أما من قتله ؛ لأكله أو الصدقة به فلا بأس )
8 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما :{ أنه مرَّ بصبيانٍ من قريش قد نصبوا طيرًا أو دجاجةً يترامونها ، وقد جعلوا لصاحب الطير كلَّ خاطئةٍ من نبلهم ، فلما رأوا ابن عمر تفرَّقَوا فقال ابن عمر : من فعل هذا ؟ لعن الله من فعل هذا ؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئًا فيه الروحُ غرضًا (الغرض : بفتح الغين المعجمة والراء : هو ما ينصبه الرماة يقصدون إصابته من قرطاس ونحوه . ( الترغيب والترهيب للمنذري ، 3/153 ) .)}(مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1958) ، أحمد (2/141) ، الدارمي الأضاحي (1973) .) .
9 - وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال :{ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ ، فانطلق لحاجته فرأينا حُـمَّرةً (حُمَّرةٌ : بضم الحاء وتشديد الميم ، وقد خُفِّف : طائر صغير ، كالعصفور أحمر اللون . ( النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ، 1/439 ) .) معها فرخان فأخذنا فرخيها ، فجاءت الحُمَّرةُ فجعلت تَفرش ( أي تُرَفرِفُ بجناحيها وتقرب من الأرض ) فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من فَجعَ هذه بولدها ؟ ردُّوا ولدها إليها ورأى قرية نملٍ (قرية نملٍ : موضع النمل مع النمل .) قد حرَّقناها فقال : مَن حرَّق هذه ؟ قلنا : نحن ، قال : إنه لا ينبغي أن يُعَذِّب بالنار إلا ربُّ النار } (أبو داود ، برقم 2675 ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ، 2/146 .) .
10 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما{ أن النبيصلى الله عليه وسلم مَرَّ على حمارٍ قد وُسِمَ في وجهِهِ فقال : لعن الله الذي وسمه } (مسلم اللباس والزينة (2117) ) ( الوسم الكي بحديدة ) .
11 - وعنه رضى الله عنه{ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجهِ ، وعن الوسم في الوجه }(مسلم اللباس والزينة (2116) ، الترمذي الجهاد (1710) ، أبو داود الجهاد (2564) ، أحمد (3/323) .) .
12 - وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال :{ أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه ، وفيه : فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطًا لرجلٍ من الأنصار فإذا جملٌ فلمَّا رأى النبيَّ r حَنَّ وذرفت عيناه ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه (ذفراه : ذفرا البعير بكسر الذال المعجمة مقصور : هي الموضع الذي يعرق في قفا البعير عند أذنه ، وهما ذفران . ( الترغيب والترهيب للمنذري ، 3/157 ) .) فسكت ، فقال : من ربُّ هذا الجمل ؟ لمن هذا الجمل ؟ فجاء فتىً من الأنصارِ فقال : لي يا رسول الله ، فقال : أفلا تتقي الله في هذه البهيمةِ التي ملَّكَكَ الله إيَّاها ؛ فإنه شكا إليَّ أنَّك تُجيعه وتُدئبُهُ }(تُدْئِبُهُ : بضم التاء ودال مهملة ساكنة ، بعدها همزة مكسورة ، وباء موحدة : أي تتعبه بكثرة العمل . ( الترغيب والترهيب للمنذري ، 3/157 ) ) .
وهذه نماذج يسيرة من أنواع رحمة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأعدائه ، وأحبابه ، والمسلم ، والكافر ، والذكر والأنثى ، والصغير ، والكبير ، والإنس ، والحيوان ، والطير ، والنمل ، وغير ذلك كثير لا يحصر في مثل هذا المقام . فصلوات الله وسلامه عليه ما تتابع الليل والنهار .
النوع الثالث عشر :رقة قلبه وبُكاؤه في مواطن كثيرة
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يبكي بشهيقٍ ورفع صوتٍ ، كما لم يكن ضحكه قهقهة ، ولكن كانت تدمع عيناه حتى تَهمُلا ويُسْمَعُ لصدره أزيز ، وكان بكاؤُه تارة رحمة للميت ، وتارة خوفًا على أمته وشفقة عليها ، وتارة من خشية الله تعالى ، وتارة عند سماع القرآن وهو بكاء اشتياقٍ ومحبةٍ وإجلالٍ(انظر : زاد المعاد ، لابن القيم ، 1/183 .) .
ومن الحالات التي بكى فيها النبي صلى الله عليه وسلم ما يأتي :
1 - بكاؤه من خشية الله في صلاة الليل :فقال بلال :{ يا رسول الله لِـمَ تبكي وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر ، قال : أفلا أكون عبدًا شكورًا ، لقد نزلت عليَّ الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكَّر فيها :( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ )(سورة آل عمران آية : 190 .)} . (ابن حبان في صحيحه ، برقم 620 ، وقال شعيب الأرنؤوط : «إسناده صحيح على شرط مسلم» ، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ، برقم 68 : «وهذا إسناد جيد» .)
2 - بكاء النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة من خشية الله تعالى : فعن عبد الله بن الشخِّير قال :{ أتيت رسول اللهصلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولصدره أزيز كأزيز المِرجل من البكاءِ }(النسائي السهو (1214) ، أبو داود الصلاة (904) ، أحمد (4/25) .).
3 - بكاء النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع القرآن : فعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال :{ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ عليَّ القرآن فقلت : يا رسول الله ! أقرأ عليك ؛ وعليك أُنزل ؟ فقال : نعم ، فإني أُحِبُّ أن أسمعه من غيري قال ابن مسعود : فافتتحتُ سورة النساء فلما بلغت :( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا)(سورة النساء آية : 41 .) ، فإذا عيناه تذرفان } (البخاري ، برقم 4582 ، ومسلم ، برقم 800 .) .
4 - بكاء النبي صلى الله عليه وسلم عند فقد الأحبة:{ بكى النبي صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه إبراهيم ، فجعلت عيناه تذرفان ، فقال له عبد الرحمن بن عوف t وأنت يا رسول الله ؟ فقال : يا ابن عوف ! إنها رحمة . . . إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربُّنا ، وإنَّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون } (البخاري الجنائز (1241) ، مسلم الفضائل (2315) ، أبو داود الجنائز (3126) ، أحمد (3/194) .) .
5 - بكاء النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاة إحدى بناته :قيل : هي أُمُّ كلثوم زوجة عثمان بن عفان رضي الله عن الجميع ، فعن أنس رضى الله عنه قال :{ شهدنا بنتًا للنبي صلى الله عليه وسلم قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر ، فرأيت عينيه تدمعان ، فقال : هل فيكم أحد لم يُقارف الليلة ؟ فقال أبو طلحة : أنا ، قال : فانزل في قبرها قال : فنزل في قبرها فقَبَرها } (البخاري الجنائز (1277) ، أحمد (3/228) .) .
6 - وبكى صلى الله عليه وسلم عند موت ابنة له أيضًا : فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :{ أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة له تقضي (تقضي : تشرف على الموت .) فاحتضنها فوضعها بين يديه فماتت وهي بين يديه ، فصاحت أُمُّ أيمن ، فقال : يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم أتبكين عند رسول الله ؟ فقالت : ألست أراك تبكي ؟ قال : إني لست أبكي إنما هي رحمة ، إن المؤمن بكل خير على كلِّ حال ، إنَّ نفسه تُنزع من بين جنبيه وهو يحمد الله عزوجل }(أحمد ، 1/268 ، والترمذي في الشمائل ، برقم 324 ، وصححه الألباني في مختصر الشمائل ، برقم 279 .) .
7 - وبكى صلى الله عليه وسلم عند وفاة أحد أحفاده :فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال :{ أرسلَتْ بنتُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم(قيل : إنها زينب رضي الله عنها ؛ بنت رسول الله .) إنَّ ابني قد احتُضِرَ فاشْهَدنا ، فأرسل يُقرِئُ السلام ويقول : إنَّ لله ما أخذ ، وله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمًّى ، فلتصبر ولتحتسب فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينَّها ، فقام ومعه سعد بن عبادة ، ومعاذ بن جبل ، وأُبَيُّ بن كعب ، وزيد بن ثابت ، ورجال رضي الله عنهم ، فرُفِعَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبيُّ ، فأقعده في حجره ونفسه تقعقع ، قال : كأنها شَنٌّ ، وفي رواية : تقعقع (تقعقع : تضطرب وتتحرك .) كأنها في شنٍّ (الشن : القربة البالية .) ففاضت عيناه ، فقال سعد : يا رسولَ الله ما هذا ؟ قال : هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وفي رواية : هذه رحمة جعلها الله في قلوب مَن شاء من عباده ، إنما يرحم الله من عباده الرُّحماءُ } (البخاري ، برقم 1284 ، ومسلم ، برقم 923 .) .
8 - بكى النبي صلى الله عليه وسلم عند موت عثمان بن مظعون :فعن عائشة رضي الله عنها قالت : { رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّل عثمان بن مظعون وهو ميِّتٌ حتى رأيت الدموع تسيل }(الترمذي الجنائز (989) ، أبو داود الجنائز (3163) ، ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1456) ، أحمد (6/43) .). ولفظ الترمذي :{ أن النبي صلى الله عليه وسلم قَبَّل عثمانَ بن مظعون ، وهو ميِّتٌ وهو يبكي ، أو قال : عيناه تذرفان } (الترمذي الجنائز (989) ، أبو داود الجنائز (3163) ، ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1456) ، أحمد (6/43) .) .
9 - بكى صلى الله عليه وسلم على شهداء مؤتة :فعن أنسٍ رضى الله عنه{ أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدًا وجعفرًا للناس قبل أن يأتيهم خبرهم ، فقال : أخذ الرَّايةَ زيدٌ فأصيب ، ثم أخذ جعفر فأصيب ، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب - وعيناه تذرفان - حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فُتِح عليهم } (البخاري المناقب (3547) ، أحمد (3/113) .) .
10 - بكى عند زيارة قبر أمه :فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال :{ زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ، فقال : استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي ، واستأذنته في أن أَزورَ قبرها فَأذِنَ لي ، فزورُوا القبور فإنها تذكركم الموت }(مسلم الجنائز (976) ، النسائي الجنائز (2034) ، أبو داود الجنائز (3234) ، ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1572) ، أحمد (2/441) .).
11 - بكى صلى الله عليه وسلم عند سعد بن عبادة وهو مريض :فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :{ اشتكى سعد بن عبادة شكوى له ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم ، فلما دخل عليه وجده في غاشية أهله (غاشية أهله : أي الذين يغشونه للخدمة وغيرها ( فتح الباري لابن حجر ، 3/175 ) .) فقال : قد قضى ؟ قالوا : لا يا رسول الله ، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بَكَوْا ، فقال : ألا تسمعون ؟ إن الله لا يُعذِّب بدمع العين ولا بحزن القلب ، ولكن يُعذب بهذا (ولكن يعذب بهذا : أي إن قال : سوءًا . ( فتح الباري 3/175 ) .) – وأشار إلى لسانه – أو يرحم . . . } (أو يرحم : أي إن قال خيرًا . ( فتح الباري 3/175 ) .) الحديث (البخاري ، برقم 1304 ، ومسلم ، برقم 924 .) .
12 - بكى صلى الله عليه وسلم عند القبر :فعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : { كُنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فجلس على شفير القبر فبكى حتى بَلَّ الثَّرى ثم قال : يا إخواني ! لِـمِثْلِ هذا فأعِدُّوا }(ابن ماجه الزهد (4195) .).
13 - بكى صلى الله عليه وسلم في ليلة بدر وهو يصلي يناجي ربه ويدعوه حتى أصبح :فعن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال :{ ما كان فينا فارس يوم بدرٍ غير المقداد ، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرةٍ يُصلِّي ويبكي حتى أصبح } (أحمد (1/125) .) .
14 - بكى صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف :فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال :{ انكسفتِ الشمس يومًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام رسول اللهصلى الله عليه وسلم يُصلِّي ، ثم سجد فلم يكد يرفع رأسه ، فجعل ينفخ ويبكي ، وذكر الحديث ، وقال : فقام فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : عُرِضَتْ عليَّ النار فجعلت أنفخها ، فخفت أن تغشاكم وفيه : ربِّ ألم تعدني ألا تُعذَّبهم }(النسائي الكسوف (1496) ، أبو داود الصلاة (1194) .) .
15 - بكى صلى الله عليه وسلم لقبوله الفداء في أسرى معركة بدر : ففي حديث عبد الله بن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم : { . . . فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر : ما ترون في هؤلاء ؟ فقال أبو بكر : يا نبي الله ! هم بنوا العم والعشيرة ، أرى أن تأخذ منهم فديةً فتكون لنا قوةً على الكفار ، فعسى الله أن يديهم للإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترى يا ابن الخطاب ؟ قال : قلت : لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكرٍ ، ولكني أرى أن تُمكِّنَّا فنضرب أعناقهم ، فتُمكِّن عليًا من عقيلٍ فيضربُ عُنقه ، وتُمكِّنِّي من فلانٍ - نسيبًا لعمر - فأضربَ عنقه ؛ فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدُها ، فَهَوِيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكرٍ ، ولم يَهْوَ ما قُلْتُ ، ولَـمَّا كان مِنَ الغَدِ جئتُ فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان ، قلت : يا رسول الله ! أخبرني من أيِّ شيءٍ تبكي أنت وصاحبُك ؟ فإن وجدتُ بُكاءً بكيت ، وإن لم أجد بُكاءً تباكيتُ لبكائكما ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي للذي عرض عليَّ أصحابُك من أخذهم الفداء ، لقد عُرِضَ عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة شجرةٍ قريبةٍ من نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عزوجل :(مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (يثخن في الأرض : يُكثر القتل والقهر في العدوِّ . شرح النووي 12/87 .))(سورة الأنفال آية : 67 .) إلى قوله : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(سورة الأنفال آية : 69 .) فأحلَّ الله الغنيمة لهم {(مسلم ، برقم 1763 )
16 - بكى النبيُّ صلى الله عليه وسلم شفقة على أمته : فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما :{ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عزوجل في إبراهيم : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ۖ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(سورة إبراهيم آية : 36 .) الآية ، وقال عيسى عليه السلام : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )(سورة المائدة آية : 118 .) الآية ، فرفع يديه وقال : اللهم أُمَّتي أُمَّتي وبكى ، فقال الله عزوجل: يا جبريل اذهب إلى محمد وربُّك أعلم فسله ما يُبكيك ؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم ، فقال الله : يا جبريل ! اذهب إلى محمد فقل : إنَّا سَنُرضيك في أُمَّتك ولا نسوءك }(مسلم ، برقم 202 .)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق