Social Icons

الأحد، 19 ديسمبر 2010

الابتسامة الشجاعة

الابتسامة الشجاعة


بقلم سامية أحمد

استيقظت من نومي ذات صباح روتيني عادي, وكعادتي لم أخرج من حجرتي حتى تأملت نفسي في المرآة من فوقي لتحتي حتى أطمئن أن كل شيء مكتمل, بداية من شعري حتى حذائي, فالرضا عن مظهري يمنحني ثقة بالنفس ويجعل مزاجي معتدلا وروحي متفتحة للعمل بنشاط وحيوية
لم أكن من هواة البقاء أمام المرآة لفترات طويلة ولا مدمنة للتأمل في جمالي وحسني رغم ثقتي التامة أنني أحمل نسبة كبيرة من الجمال والجاذبية تتمثل في شعر أسود مموج طويل يصل الى منتصف ظهري, وأحب دائما أن أرفع جانبيه للخلف وأشبكهما معا خلف رأسي بمشبك شعر أنيق وأترك بقيته يتأرجح على ظهرى وعينان عسليتان وثغر رقيق وأنف طويل دقيق الإستدارة في نهايته وقوام طويل ممشوق
هكذا أرى نفسي بلا غرور
لم أكن مفتونة بجمالي, لأن إيماني أن زينة المرأة في عقلها, وأن أية امرأة جميلة إن أجادت استخدام عقلها
لذلك كنت أهتم أن تكون ملابسي عملية محتشمة بعيدة عن التبذل والفتنة, فالمرأة الرخيصة هي فقط التي تحاول إبراز مفاتنها لتخفي ضعف عقلها
كنت أفضل دائما لبس البنطال, فهو يتيح لي مساحة أكبر في الحركة والسرعة ويشعرني بالراحة في المشي
كما أنه عادة اكتسبتها من طول ممارستي لركوب الخيل
حملت حقيبتي وحقيبة اللاب توب الذي لا يفارقني هو وكاميرا الفيديو الصغيرة, وخرجت من حجرتي متجهة الى حجرة الطعام لأتناول إفطاري مع أمي كعادتي اليومية التي أحرص عليها دائما منذ وفاة أبي من عدة سنوات قليلة, وفي طريقي مررت بحجرة أيمن أخي الوحيد, ورغم قلقي أن أتأخر, لكني قررت أن ألقي عليه التحية وأسأله عن أحواله, فانشغالي بالعمل في الفترة الماضية جعلني لا التقيه إلا قليلا, طرقت الباب وأجبت بعد أن سمعت صوته يسأل من؟ : أنا أميرة
دخلت بعد أن أذن لي لأجده كعادته جالس أمام شاشة الكمبيوتر, وقال دون أن يلتفت لي : مرحبا أميرة الأميرات
نظرت في الشاشة ثم تنهدت بيأس وارتميت على المقعد الوثير بجوار الحائط قائلة : يا لخسارتك في الألعاب والمحادثات
زفرت بضيق وأخذت ألوح بكفي أمام وجهي : دخان السجائر سيقضي عليك بأسرع من تناول السجائر نفسها
ألا تشعر بالملل والتعب من كل هذا!
هز رأسه يمينا ويسارا والسيجارة في فمه تقارب على نهايتها وقال بلا مبالاة : ما الذي ذكرك باليائس الفاشل الآن؟
قلت وأنا أحاول أن أمسك لساني وأسيطر على ألفاظي : يا أيمن يا حبيبي إن ما تفعله بنفسك لا يرضي أحدا, أمي يتفطر قلبها لأجلك وأنت لا تبالي
قال بزهق : وماذا تريديني أن أفعل بالضبط وأنا فاشل مهزوم؟ أليس هذا هو رأيك في؟
تنهدت وقلت بأسف : صدقني ما كنت أريد أن أقول هذا, لكنك استفززتني بصورة أعجزتني عن الصمت
انفعلت من جديد وأنا أقول : على أحد ما أن يصارحك بالحقيقة, لا يمكن أن تستسلم وتنسحب بهذه السهولة
قال بتأفف : هل ستعودين لذلك الموشح ثانيا!
قلت بغيظ : ثانيا وثالثا ورابعا
يا أخي الحبيب, أتظن أنني سعيدة وأنا أراك على هذه الحالة المزرية؟ عليك أن تفعل أى شيء في حياتك, أى شيء
عد الى الرياضة, اذهب الى صالة الألعاب الرياضية, انظر الى جسمك الذي بدأ يترهل
التفت الى وعلى وجهه ابتسامة يائسة وقال بسخرية مريرة : أليس لديك أى شيء تفكرين فيه سواى!
نصيحة حتى تعيشي مرتاحة البال, أخرجيني من رأسك فأنا قضية خاسرة
تنهدت بألم وقلت برجاء : يا أخي الحبيب لا...
قال بنفاذ صبر : انظرى في ساعتك ستتأخرين عن عملك
هيا, لا شك أن أمي تنتظرك لتنضمي اليها على مائدة الإفطار
قلت بإحباط : وأنت, ألن تنضم الينا!
انتفضت بحماس : ها ما رأيك أن تتناول الإفطار معنا اليوم؟
زفر وأغلق شاشة الكمبيوتر ثم قفز فوق فراشه وهو يقول : كنت أتمنى, ولكننى كما ترين قضيت الليل ساهرا أمام الكمبيوتر, والآن أحتاج بشدة للنوم
نظرت اليه باشفاق وقلت : وأمي, ماذا أقول لها؟
أعطاني ظهره ووضع الوسادة فوق أذنه وهو يقول : قولي لها نائم
خرجت من غرفته وأنا أشعر بالضيق والإشفاق لأجله ونزلت السلم الخشبي الداخلي لفلتنا ببطء وأنا أفكر في مشكلة ذلك المحبط المسكين
وصلت الى حجرة المائدة فوجدت أمي قد سبقتني اليها, ألقيت عليها تحية الصباح وقبلت وجنتها كما أفعل كل يوم وجلست في الكرسي المقابل لها, فسألتني : تأخرتي اليوم! كنتي عنده, أليس كذلك؟
قلت وأنا أتناول إفطاري بسرعة حتى لا أتأخر عن عملي : بلى
قالت بلهفة : وكيف حاله؟
قلت بإحباط : كما هو, لم تعد كلماتي تؤثر فيه
قالت : لا أدري كيف أتصرف معه
هتفت بغيظ : ما كان عليه أن يستسلم بهذه السرعة, يجب أن يرفع قضية ويشكوه في المحكمة
قالت بمرارة : وكيف يشكوه ولا دليل لديه؟ لقد استشرت عدة محامين القضية خاسرة
قلت : على الأقل كان سيفضحه ويلوث سمعته
لقد أخبرته أنني أنوي عمل سلسلة من التحقيقات لكشف الفساد في الجامعة, وأول ما سأكشف هو ذلك المخادع الذي سرق بحثه الذي عكف عليه ثلاث سنوات ونسبه لنفسه
قالت بحزن : ما كان ذلك ليجدي, أخاكي لم يسجل فكرته العبقرية باسمه
لقد ضاعت الأمانة, وأصبح الأستاذ يسرق تلميذه
تنهدت بضيق : ما كان عليه أن يستسلم
فليبدأ ببحث جديد وفكرة جديدة
يصعب علي استيعاب أن ذلك العقل العبقري المبدع يتحول الى صنم جامد أمام الكمبيوتر ليل نهار, يسرف صحته وعقله وبصره في المحادثات والألعاب
قالت بأسى : ليست هذه هي الصدمة الوحيدة في حياته كما تعلمين, ان ما قضى عليه تماما هو تخلي نجلاء عنه
قلت بغيظ : نجلاء!
لا أفهم كيف يتغير الناس بهذه الطريقة!
أحتاج الى جلسة خاصة معها, انها محاولة أخيرة علها تجدي
قالت بيأس : أتعتقدي أن هذا هو الحل لمشكلته؟
قلت : اعتدت دائما أن أحاول, نجحت أو فشلت لا يهم
المهم أن أحاول حتى آخر أمل
قالت : الله معك
قلت مغيرة الموضوع الذي أضفى احباطه ويأسه علينا : هل أحضر د. وجيه ايراد العيادة؟
قالت : في موعده تماما, هذا الرجل يشعرني دائما أن الدنيا لا زالت بخير, لديه وفاء نادر
لا زال يحافظ على العيادة التي تركها والدك كما هي واسمه عليها, لم يفكر حتى بتغيير اللافته ووضع اسمه مكان اسم أبيك
لم يستقل حتى بعيادة خاصة به, لا زال يشعر بالمسئولية تجاه أستاذه حتى وهو متوفى
قلت وأنا آكل بتعجل : هذا هو المثال الرائع الذي يجب أن يكون بين أستاذ وتلميذه
انه عمل أبي الصالح رحمه الله, لقد قدم له يد المساعدة بكل وسيلة ليصبح طبيبا, ثم اصطحبه معه للعمل في العيادة وساعده حتى تزوج وأصبح لديه بيت وأسرة
قالت : ان وجيه يستحق كل الخير
.................................................. ...
دخلت الى المؤسسة الصحفية التي أعمل بها بخطواتي الواسعة شبه العسكرية والتي يساعدني عليها حذائي الرياضي, فلم أكن أحب الكعب العالي لأنه يقيد حركتي
واجتزت السلالم قفزا بديلا عن المصعد الذي لا أستخدمه إلا في الأدوار عالية الإرتفاع, لكن المكتب الذي تعمل فيه نجلاء كان في الدور الثالث
حمدت الله أن وجدتها خلف مكتبها, فمن عادتها التنقل بين مكاتب المؤسسة والثرثرة مع فلان وعلان, أو تناول الإفطار مع أصدقائها المقربين
ألقيت التحية بمرح على كل من في المكتب من زملاء وزميلات, وسحبت احد الكراسي من أمام مكتب أستاذ محروس وأنا أبتسم له بمرح : بالطبع تسمح أستاذ محروس
أشار لي بيده وهو يبتسم
أخذت الكرسي ووضعته بجوار نجلاء خلف المكتب لأكون قريبه منها لكيلا يسمعنا أحد من الموجودين, وقلت لها مباشرة وبصوت خفيض : أحمد الله أن وجدتك في تلك الساعة,لي حديث طويل معك
قالت وهي تهز رأسها : أعلم فيم ستتحدثين, لقد انتهت علاقتي بأخيك
قلت : أعلم الظروف السيئة التي مرت بكما, ولكن من الممكن اصلاح الأمر, انه الآن يحتاج اليكي أكثر من أى وقت مضى
تنهدت بيأس : لم يعد هذا ممكنا
قلت بضيق : كيف تقولين هذا؟ انه يحبك, نعم لا زال يحبك
كلمة منك يمكن أن تغير كل شيء, أنت أيضا لا زلت تحبينه أنا متأكدة
قالت : الحب وحده لا يكفي في هذا الزمن
قلت بدهشة : أنت التي تقولين هذا! ألا تذكرين كم من مرة اعترفتي لي بحبك له, كيف تبدلت مشاعرك على هذا النحو!
قالت : افهميني, هذا الزمن ليس زمن الحب, هناك أشياء أخرى أهم للإنسان علينا أن نحسب لها ألف حساب
قلت ساخرة : كالمال مثلا!
قالت : أخيرا فهمتيني
قلت بلوم : هل تفكرين بتلك الطريقة المتخلفة!
قالت باعتراض : متخلفة!
حسنا لست وحدي المتخلفة, يبدو أن العالم كله صار متخلفا
عائلتي لا يمكن أن توافق على أيمن, خاصة بعد أن فقد عمله
قلت بتحدي : عمله سيعود اليه قريبا بعد أن ينهي مشكلاته
قالت : هذا لن يجدي
ان كانت عودتي اليه ممكنه في السابق فالآن صارت من المستحيلات
صمت قليلا أحاول أن أستوعب كيف تفكر تلك الإنسانة, ولكني لم أستطع الصمت طويلا, فاندفعت أقول بصراحتي المعهودة كما لو كنت تناولت مشروب الصراحة : لكن مدحت الكومي هو الممكن
هو المناسب لهذا الزمان انه المال والشهرة في آن واحد
قلت باستنكار : كيف لم أصدق ما سمعته عنك
كنت دائما أخدع نفسي (لا نجلاء ليست من هذا النوع, نجلاء صديقتي العزيزة في سنوات الجامعة , شريكة أحلام الشباب والعمر الجميل, نجلاء التي كان حلمها العمل بالصحافة لتكشف الفساد وتظهر وتعالج سلبيات المجتمع)
نجلاء التي كانت تؤمن بأن الصحفي هو حامي الوطن مثله مثل الجندي
أين هي الآن!!
تبدلت كل أفكارك بمجرد أن انتقلتي للعمل كمحررة فنية واختلطي بطبقات المجتمع الحريرية البراقة
إن من أراها أمامي الآن هي نجلاء عارضة الإعلانات والمطربة المغمورة التي تنتظر الجني الذي سيخرج لها من المصباح ليحقق لها الشهرة ويرمي بالمال تحت أقدامها
عجبا لم يعد حلم الفتاة فقط شقة تجمعها بمن تحبه
لابد من سيارة وفيلا ومظهر اجتماعي لائق و....و........و...
بمجرد ظهور الجني تلقي بالحب بكل بساطة في أقرب سلة للمهملات, لم يعد الجني بعيد, لقد اقترب للغاية
مدحت الكومي المنتج السينمائي الشهير
قالت بضيق : لا تسيئي الظن بي, لقد عرض على الزواج
قلت بتهكم : أوووه خبر فني مثير
ترى هل سيخبر زوجته الأولى, أم أن الخبر سيظل في حدود الإشاعة الفنية!!!
أيام الجامعة كنت أحب فيكي الأنفة والكبرياء الذي كانت تظنه بعض زميلاتنا تعاليا منك, لكنني كنت أعتقد دوما أنه اعتداد بالنفس
لا شك أنه دفع ثمنا غاليا ليجعلك تتخلين عن كبريائك واعتدادك بنفسك وتقبلين أن تصبحي زوجة ثانية
ترى أهو عقد لفيلمين أو أكثر؟ وربما ألبوم غنائي أيضا
قالت بصوت خافت : لقد وعدني أنه سيطلق زوجته
قلت بمرارة : رائع, تبنين مجدك الفني على خراب البيوت وتشريد الأطفال, هنيئا لكي
يا الهي!!!
لا أستطيع أن أصدق أن أيمن كان يحبك
قمت من الكرسي بغضب وحملت أشيائي, ثم تأملتها بنظرات تمتلئ بالاشمئزاز وهي عاجزة عن رفع عينيها في وقلت بتهكم : سأخبره أن يكف عن لوم نفسه, وليوفر ندمه لشيء يستحق
كل ما أتمناه لكي أن تكون المكاسب المنتظره على قدر ما ستدفعينه من عمرك وشبابك وكرامتك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق