الحياة الاجتماعية قبل الإسلام وبعد الإسلام وفي العصر الحديث
(( يأيها الذين أمنوا إنا خلقانكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير )) الحجرات ايه 13
المقدمة :-
إن في هذا البحث أتناول الحضارة ولكن ليس بشكلها الموسع ، ولكن بشكل أضيق يتمثل في الحياة الاجتماعية ، وسوف أقوم في البداية بتعريف الحضارة الإنسانية التي لها عدة تعارف ، ولكن التعريف الأنسب ، و الأكثر شمولية و الذي اعتقد أنا انه هو الصحيح ، هو هذا التعريف الذي يقول إن الحضارة تعني هي إنجاز الإنسان أو شعب أو قوم في مجالات الحياة المختلفة ، المتمثلة في الجانب السياسي ، الاقتصادي ، الاجتماعي ، الروحي ، و العلمي .

أما الحياة الاجتماعية التي سوف أتناولها في بحثي هذا المتواضع ، فهي علاقة الإنسان بأخيه الإنسان وفق معايير أو قوانين أو أعراف وضعها الإنسان ، أو أتت من السماء متمثله في الأديان الثلاثة اليهودية و المسيحية ، و الدين الإسلامي .

وفي هذا البحث سوف أتناول الحياة الاجتماعية لأنها حسب اعتقادي ، هي أهم شي يميز الإسلام عن باقي الديانات الأخرى وعن باقي الحضارات المختلفة التي مرت بها الإنسانية ، وكذلك هو الشيء الوحيد الذي ما زال يميز الإسلام حتى يومنا هذا ، بل أن الحضارة الإسلامية ما زالت متقدمه بهذا المجال من الحضارة الإنسانية عن باقي الحضارات المختلفة بشكل وشاسع كبير ، وهو شي يفتخر به كل من ينتمي إلى الحضارة الإسلامية ، فالمجتمع الإسلامي متميز عن المجمعات الأخرى في الحضارات الأخرى بهذه الناحية ، وسوف اعرض أمثله بسيطة في المقدمة على التميز الاجتماعي لكي تكون رؤوس أقلام ، ونقط انطلاق وملخص صغير لهذا البحث ، ولكي يستوعب كل من بقراء البحث مرادي من هذا البحث .
أن الحياة الاجتماعية قبل الإسلام كانت شبه مدمره ، وكانت في ظلام ، وكان هناك استغلال كبير من الإنسان إلي أخوه الإنسان ، بسبب اللون أو العرق ، وبعد دخول الإسلام تبدلت الأوضاع ، فتحسنت الأوضاع الاجتماعية والإنسانية ، لأن الإسلام دين الرحمة و التآخي ، فلا فرق بين أعجمي وعربي ، ولا ابيض و اسود إلى في تقوى الله عز وجل .

وإما اليوم في العصر الحديث نجد أنواع جديدة من الاستغلالية ، و الرق ، و الفسق الفجور ، و الانتهازية ، و الرق باسم القانون الحديث ، التي وضع لخدمة طبقه معينه دون غيرها ، بل تكاثرت العنصرية ، و الشعوبية .


الحياة الاجتماعية قبل الإسلام
كانت الإنسانية ، قبل طلوع وبزوغ ، فجر الإسلام تتعثر بين وحشية ضاربة : وهمجية ، و استبداد مروع ، وكانت ترتكز على عقائد باطله ، وتقاليد وعادات بالية غير صحيحة ، وكان الجهل و الجمود و الاضطهاد و الاستعباد و الاستقلال و العبودية ، واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان من سنة الحياة التي كانت منتشرة ، فحيثما سرت في الأرض وجد طغاة ومستبدون ، وكذلك وجدت الرؤساء الذين لا يؤمنون بحق الشعوب في الأمن و الحرية و الحياة ، وهناك الأباطرة و الرؤساء الذين يعبثون في الأرض فسادا بالغزو و النهب و الاستعمار الهدام .

في يوم من الأيام كانت هناك إمبراطورية الفرس بعقائدها الوثنية ، ونظمها الاستعمارية القمعية ، وسياستها المتعسفة الفاشلة ، وحكامها الطغاة المتجبرين ، وفي الجانب الأخر من نفس ذاك الزمان إمبراطورية الروم الشرقية تثير الرعب و الفزع في الأرض وتثير الفساد و وتصنع المحن لشعوب ، وكانت الحرب مستمرة بين الطرفين ، ويصلى بنهارها رعاياها الحائرون المفزعون ، لقد كانت الأرض مملوءة بالشقاء و الحزن و الظلم و البؤس ، ولم تجد حكة الحكماء و لا الفلاسفة دواء لهذا الداء ، ولا خلاص من هذا الهلاك ، لأن الحكم كان حكم شهوه ، و السيادة كانت الظلال ، و الحق كان للقوة و المال النفوذ ، و الرأي الصائب دائما هو رأي الحاكم و الرئيس .

ولقد كان أرسطو وأفلاطون يقرران حرمان العمال و الصناع من حقوقهم المدينة ، وحرمانهم من حقهم ، وكان السادة و المفكرون في روما يؤمنون ويأيدون بسيادة أمتهم ، وأن من الواجب عليهم إخضاع الدولة لجبروتهم وقوتهم ونفوذهم ، وكان المشرعون في أثينا ينظرون إلي الرقيق نظرتهم إلى الحيوانات الهمجية ، وكانت المرآة تعيش مسلوبة الإرادة و الحرية و الاختيار في كل مكان من هذه الإمبراطورية .

ورغم من انتقال الإنسانية من مرحلة الوحشية إلى مرحله أخرى هي البربرية ، ثم إلى عصور الرق و الإقطاع ، ورغم الديانات و الشرائع السماوية و الكتب الإلهية المنزلة ، فالحياة ظلت كما هي ولم تتبدل ، و الظلام ظل كثيفا كما كان ، بل انه ازداد في بعض الفترات.

ومن الرق الروماني الشهير ، إلى الإقطاع ، وغلو من طرف يعالجه غلو أخر من الطرف الأخر ، وظلم لطبقة يعالجه ظلم وجور لطبقة أخرى ، واعتداء على الإنسان وخصائصه الأساسية في النظام ، ويعالج الاعتداء باعتداء جديد على أخيه الإنسان ، ولا يعتدل الميزان العدل أبدا ، وليس هناك تناسق أو تكامل بين ولا اعتدال في تلك العصور الذاهبة .

وقد ظلت ترزح تحت أقدام الإقطاع ، تحت أقدام هذا النظام الفظيع ، الذي تهدر فيه قيمة الإنسان ، ابتداء بجعله تابعا الأرض كالماشية وأدوات الزراعة ، يتنقل معها إلى المالك الجديد .ولا يملك أني حس بكينونته (( الإنسانية )) مستقلة عن الأرض ،ولا يملك أن يغادر يغادرها إلى إقطاعية أخرى ، فهو مسير ، وإن غادرها اعتبر أبقا – بحكم القانون – ووجب القبض عليه ورده إلى الأرض التي يتبعها ( وإن كان هذا القانون لم يعد ينفذ في أواخر عهد الإقطاع في الحالات التي كان الملك الذي أوى إليه الهاربون إلى إقطاعيته يرى من مصلحته عدم ردهم إلى سيدهم وأرضهم )


تهدر فيه كرامة الإنسان مره أخرى بجعله أسير إرادة الشريف ،واعتبار هذه الإرادة هي إرادة القانون الوضعي ، وليس أحط من وضع يكون فيه الإنسان خاضعا لشريعة هي مجرد إرادة إنسان مثله ... ولو كان هو السيد الشريف .
الحياة الاجتماعية في الإسلام
انتشر الإسلام وظهر بعد بعث الله خاتم الأنبياء و المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم من جزيرة العرب في بداية القرن السابع الميلادي إلى الناس كافه ، و انزل عليه القران الكريم ، وقد ولد الرسول العربي في مكة المكرمة عام 570م ونشأ فيها ، ثم هاجر إلى يثرب المدينة عام 622م ، وعند وفاته عام 633م تعاقب على خلافة أربعة خلفاء راشدين ، و انتشر الإسلام على عهدهم من مصر إلى إيران ، ثم اخذ الإسلام بنشر في باقي الأرض وكان ينتشر على أيدي مجموعات متعددة مثل الأمويون و العباسيون و العلويون .
الدين الإسلامي من الناحية الاجتماعية ساوى بين المسلمين كافة وأعطاهم نفس الحقوق وفرض عليهم نفس الواجبات ولم يسمح بأي تمييز بين مسلم عربي ومسلم أعجمي (( غير عربي )) وطبقت هذه القادة في عهد الخفاء الراشدين وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن في عهد الدولة الأموية و العباسية بدأت التفرقة ليس على أساس ديني بل عنصري شاذ عن الإسلام وهي :-
- المسلمون العرب ومن بينهم يكون الخلفاء و الأمراء و القادة .
- المسلمون غير العرب من أهل البلاد المفتوحة حديثا وعرفوا بالموالي .
- أهل الذمة وهم من النصارى و اليهود الذين احتفوا بدينهم وعرفوا بأهل الكتاب ، وكانوا يدفعون الجزية لدوله الإسلامية مقابل الحماية لهم وتوفير الأمان ، لمن يستطيع دفعها .
- اعتمد الخفاء الراشدون لتأمين الفتوح ونشر الدين الإسلامي على العنصر العربي في حين تعصب الأمويون لعروبتهم فأثاروا انتقاد ونقمة الموالي الذين سرت بينهم عصبية جمعتهم على الثورة على الأمويين ، و إسقاط دولتهم ، ولما ألت الخلافة لدوله العباسية اعتمدوا على العنصر الفارسي دون العربي ، و استلم الفرس الوظائف الأساسية ، وحين تولى الخليفة المعتصم الخلافة كانت أمه تركية فأعتمد على الأتراك وأسند إليهم المناصب العليا في الدولة ، وهذا الواقع أدى إلى البغضاء و التفرقة بين الشعوب .


وأما أهل الذمة أي اليهود و النصارى فقد مارسوا طقوسهم وعبادتهم وشعائرهم الدينية ، وتسامح معهم المسلمون وكان بعض الخلفاء يحضر أعيادهم ويراعاها ، ويختار من بينهم مستشارين ومقربين ، واستعملهم المسلمون في وظائف الدولة وخاصة في كتابة الدواوين ، وشارك النصارى بجهد كبير في بناء صرح الحضارة العربية.

حرص الإسلام على العناية بترابط المجتمع عن طريق الصلوات الخمس وعند طريق الحج وعن طريق الزكاة ، ونشر الخير ، والترابط بين المسلمين يميزهم عن باقي الشعوب و الحضارات الأخرى.
الأسرة في الإسلام
وحرص الإسلام أيضا على العناية بترابط الأسرة ورعايتها وحدد القران الكريم واجبات كل فرد في الأسرة وشدد على احترام الوالدين ،وعلى مسؤولية الرجل في البيت وإشرافه على شؤون أسرته .

وأما المرآة فتمتعت بسقط كبير من الحرية ،وكان من حقها اختيار زوجها ، وطلب الطلاق منه وكذلك حقها في استثمار أموالها الخاصة ، وحدد الشرع نصيبها من الميراث ، وكان لها دور كبير في بناء المجتمع بل اعتمد عليها المجتمع اعتماد كليا في نشأت الأجيال القادمة من هذه الحضارة .

الرق في الإسلام
و الرق ظاهرة عرفتها المجتمعات القديمة ، وكان مصدره قبل الإسلام الحروب فأسير الحرب يصبح عبدا عند المنتصر ، أو التجارة حيث كان شراء وبيع الرقيق رائجا قبل الإسلام ، ولم يحرم الإسلام الرق ولكنه أوصى بحسن معاملة الأرقاء وحث على عتقهم ، ووضع القوانين التي تسهل تحريرهم وقد راجت تجارة الرقيق في العهد العباسي ، فكونوا طبقه كبيرة من طبقات المجتمع ، وكانت سمرقند اكبر أسواقه قديما ، وكثيرات من أمهات الخلفاء كن من الرقيق ، وكانت سوء المعاملة الرقيق أحيانا سببا لحركات وانتفاضات كان أبرزها ثوره الزنج في العراق ، وقد عرفت بلاطات الخلفاء العباسيين أعداد كبيرة من الأرقاء الذين استأثر بعضهم بالسلطة و النفوذ ،و أقاموا دولا مرهوبة الجانب و القوة النفوذ مثل الدولة الإخشيدية ، وكدولة المماليك في مصر