ديننا الإسلامي الحنيف دين يحثّ على مكارم الأخلاق ويدعو إليها ؛ لأنه قد جاء ليتمم تلك المكارم ويُعلي من شأنها , عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ.وفي رواية ( مكارم الأخلاق ) رواه البخاري في \" الأدب المفرد \" رقم ( 273 ) ، والحاكم ( 2 / 613 ) ، و أحمد ( 2 / 318 )أخرجه أحمد 2/381(8939) والسلسلة الصحيحة\" 1 / 75 .
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا.أخرجه ابن أَبي شَيْبَة 8/328(25312) وأحمد 2/527(10829) . والدارمي (2792).
ومن حسن أخلاق المسلم حفظ المعروف ورد الجميل ومقابلة الإحسان بالإحسان , والمكافأة للمعروف بمثله أو أحسن منه والدعاء لصاحبه، قال الله تعالى : ( وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) القصص 771 , وقال تعالى : ( هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) الرحمن 60. وقال : {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (91) سورة النحل.
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:لاَ يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ. أخرجه أحمد 2/258(7495) و\"البُخاري\" في \"الأدب المفرد\" 218 و\"أبو داود\" 4811 و\"التِّرمِذي\" 1954 و\"ابن حِبَّان\" 3407 .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنِ اسْتَجَارَ بِاللَّهِ فَأَجِيرُوهُ وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ.- وفي رواية :مَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ أَهْدَى لَكُمْ فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ. َخْرَجَهُ أحمد 2/68(5365) و\"البُخَارِي\" في (الأدب المفرد) 216. و\"أبو داود\" 1672 و\"النَّسائي\" 5/82 ، و\"الكبرى\" 2359 .
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر يتعلق بالمزيد، وهما مقرونان، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد)، وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: \"عليكم بملازمة الشكر على النعم، فقلَّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم\".
وقال الشاعر :
ومن يسدِ معروفًا إليك فكن له…شكورًا يكن معروفه غيرَ ضائع
ولا تبخلنّ بالشكر والقَرض فاجزه…تكن خير مصنوع إليه وصانع
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا ، أَدَّاهَا اللهُ عَنْهُ ، وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا ، أَتْلَفَهُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ.أخرب أحمد 2/361(8718) و\"البُخاري\" 2387 و\"ابن ماجة\" 2411 .
فعدم رد أمانات الناس نوع من نكران الجميل , وعدم حفظه , وهذا ليس من أخلاق المؤمن , فالنفس مجبولة على حب من أحسن إليها , ويسوؤها من يقابل الحسنة بالسيئة .
قال المتنبي:
إذا أنتَ أكرمتَ الكريمَ ملكتَهُ ... وإنْ أنتَ أكرمتَ اللَّئيمَ تمرَّدا
ووضعُ النَّدَى في موضعِ السَّيْفِ بالعُلا ... مضرٌّ كوضعِ السَّيْفِ في موضعِ النَّدَى
قال علي بن فضال المجاشعي :
وإخوَانٍ حسِبتهُمُ دُرُوعاً ... فكانوها ولكنْ للأَعَادِي
وخلتُهُمُ سِهاماً صائِباتٍ ... فكانوها ولكنْ في فُؤادِي
وقالوا قد صَفَتْ منَّا قُلوبٌ ... لقدْ صَدَقوا ولكنْ من ودَادِي
وقالوا قدْ سَعينَا كلّ سَعْيٍ ... لقدْ صَدَقوا ولكنْ في فَسادِي
ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حفظ الجميل ورده , وفي الوفاء لمن أحسن .
فها هو صلى الله عليه وسلم يرد الجميل لعمه أبي طالب الذي تكفل بتربيته بعد وفاة جده عبد المطلب , فلا ينسى له ذلك , فحينما يتزوج السيدة خديجة رضي الله عنه يأخذ ابن عمه علياً في كنفه ورعايته رداً لجميل عمه ومساعدة له .
كما ضرب النموذج الأعلى في الوفاء للزوجة التي واسته ووقفت بجواره , فلم يتنكر لها , ولم ينس جميلها , فعن مسروق ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة ، فيحسن عليها الثناء ، فذكرها يوما من الأيام ، فأدركتني الغيرة فقلت : هل كانت إلا عجوزا ، فقد أبدلك الله عز وجل خيرا منها ، فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب ، ثم قال : « لا والله ما أخلف الله لي خيرا منها ، وقد آمنت بي إذ كفر بي الناس ، وصدقتني وكذبني الناس ، وواستني من مالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله عز وجل الأولاد منها ، إذ حرمني أولاد النساء » قالت عائشة رضي الله عنها : فقلت : بيني وبين نفسي لا أذكرها بسيئة أبدا \" .
مسند أحمد (6/117) عن عائشة رضي الله عنها، وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير (23/13)، وحسن إسناده الهيثمي في المجمع (9/224).
وروى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه السلام كان إذا ذبح الشاة قال: ((أرسلوا إلى أصدقاء خديجة، فذكرت له يومًا، فقال: إني لأحب حبيبها)), وفي رواية: ((إني رزقت حبها)).
وروت عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت عجوز إلى النبي عليه السلام وهو عندي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أنت؟))، قالت: أنا جثامة المزنية، قال: ((بل أنت حسّانة المزنية، كيف أنتم، كيف حالكم، كيف كنتم بعدها؟)).
قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله, فلما خرجت، قلت: يا رسول الله، تُقبل على هذه العجوز هذا الإقبال، قال: ((إنها كانت تأتينا زمن خديجة, وإن حسن العهد من الإيمان)).
أخرجه الحاكم (1/62 ، رقم 40) ، وقال : صحيح على شرط الشيخين .
ولقد أعطى صلى الله عليه وسلم عمه العباس قميصه لما جئ به أسيراً يوم بدر، رداً للجميل ووفاء لمواقفه معه وبخاصة في بيعة العقبة . انظر: صحيح السيرة النبوية، ص621،622؛ السيرة لأبي شهبة (28534).
وليس ذلك خلقاً منه صلى الله عليه وسلم مع أهل بيته وعشيرته بل مع جميع أصحابه فها هو صلى الله عليه وسلم يذكر فضل أبي بكر ومواقفه الطيبة معه فيقول : \"مَا لأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلاَّ وَقَدْ كَافَيْنَاهُ مَا خَلاَ أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِئُهُ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا نَفَعَنِى مَالُ أَحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعَنِى مَالُ أَبِى بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً أَلاَ وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللهِ . قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.أخرجه الترمذي (3661) الألباني :صحيح ، ابن ماجة ( 94 ) ورواه أبو هريرة رضي الله عنه .
وكان من وفائه لأصحابه موقفه مع حاطب بن أبي بلتعة مع ما بدر منه حين أفشى سر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام في أشد المواقف خطورة ، عن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى رَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضى الله عنه - يَقُولُ بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ قَالَ « انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ ، فَخُذُوهُ مِنْهَا » . فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِى الْكِتَابَ . فَقَالَتْ مَا مَعِى مِنْ كِتَابٍ . فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ . فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا ، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِى بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى ا لله عليه وسلم - « يَا حَاطِبُ ، مَا هَذَا » . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لاَ تَعْجَلْ عَلَىَّ ، إِنِّى كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا في قُرَيْشٍ ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا ، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ ، يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِى ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِى ، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَقَدْ صَدَقَكُمْ » . قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِى أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ . قَالَ « إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ». صحيح البخاري(3007 ).
بل كان صلى الله عليه وسلم يحفظ الجميل مع غير المسلمين من الذين لم يؤذوه ولم يعادوه , وكانت لهم مواقف طيبة معه .
فها هو المطعم بن عدي الذي سعى في نقض الصحيفة التي علقتها قريش على الكعبة وفيها مقاطعة بني هاشم وبني المطلب لأنهم نصروا النبي صلى الله عليه و سلم .
وذكر ابن هشام موقفاً آخر له مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما انصرف النبي عن أهل الطائف ولم يجيبوه لما دعاهم إليه من تصديقه ونصرته صار إلى حراء ثم بعث إلى الاخنس بن شريق ليجيره فقال أنا حليف والحليف لا يجير فبعث إلى سهيل بن عمرو فقال إن بنى عامر لا تجير على بنى كعب فبعث إلى المطعم بن عدى فأجابه إلى ذلك ثم تسلح المطعم وأهل بيته وخرجوا حتى أتوا المسجد ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ادخل فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت وصلى عنده ثم انصرف إلى منزله. عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير: ابن سيد الناس 1/179.
ولأجل هذه السابقة التي سلفت للمطعم بن عدى روى مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ ؛أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ : لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى ، لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ.
- وفي رواية : لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ حَيًّا ، قَالَ : وَكَانَ لَهُ عِنْدَهُ يَدٌ ، فَكَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى ، لأَطْلَقْتُهُمْ ، أُسَارَى بَدْرٍ.أخرجه \"أحمد\" 4/80(16853). و\"البُخَارِي\" 4/111(3139) و5/110(4024) و\"أبو داود\" 2689.
ولقد أثنى شاعر الرسول - صلى الله عليه وسلم - حسان بن ثابت على موقف مطعم فقال في مدحه:
فلو كان مجدٌ مخلد اليوم واحداً... من الناس نجَّى مجده اليوم مطعماً
أجرت رسول الله منهم فأصبحوا... عبادك مالَّيس مُحلُّ وأحَرَما
فلو سُئلت عنه معد بأسرها... وقحطان أو باقي بقية جرهما
لقالوا هو المُوفي بخُفرة جاره... وذمته يوماً إذا ما تجشّما
وما تطلع الشمس المنيرة فوقهم... على مثله فيهم أعزَّ وأكرما
إباء إذا يأبى وألين شيمة... وأنوم عن جار إذا الليل أظلما
البداية والنهاية لابن كثير(3/136).
وهذا أبو البختري كان في صف المشركين يوم بدر فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله، قال ابن هشام: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَإِنّمَا نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ قَتْلِ أَبِي الْبَخْتَرِيّ لِأَنّهُ كَانَ أَكَفّ الْقَوْمِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِمَكّةَ وَكَانَ لَا يُؤْذِيهِ وَلَا يَبْلُغُهُ عَنْهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ وَكَانَ مِمّنْ قَامَ فِي نَقْضِ الصّحِيفَةِ الّتِي كَتَبَتْ قُرَيْشٌ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ .ابن هشام : السيرة النبوية 1/628. والبيهقي : دلائل النبوة 2/144 .
ولقد قص علينا النبي صلى الله عليه وسلم هذه القصة التي تؤكد معاني الوفاء وحفظ العهد , فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي يقول: إِنَّ ثَلاَثَةً في بَنِى إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فَأَتَى الأَبْرَصَ فَقَالَ أَىُّ شَىْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّى الَّذِى قَدْ قَذِرَنِى النَّاسُ . قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ وَأُعْطِىَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا قَالَ فَأَىُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الإِبِلُ أَوْ قَالَ الْبَقَرُ شَكَّ إِسْحَاقُ إِلاَّ أَنَّ الأَبْرَصَ أَوِ الأَقْرَعَ قَالَ أَحَدُهُمَا الإِبِلُ وَقَالَ الآخَرُ الْبَقَرُ قَالَ فَأُعْطِىَ نَاقَةً عُشَرَاءَ فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا قَالَ فَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ أَىُّ شَىْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّى هَذَا الَّذِى قَذِرَنِى النَّاسُ . قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ وَأُعْطِىَ شَعَرًا حَسَنًا قَالَ فَأَىُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْبَقَرُ . فَأُعْطِىَ بَقَرَةً حَامِلاً فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا قَالَ فَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ أَىُّ شَىْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ إِلَىَّ بَصَرِى فَأُبْصِرَ بِهِ النَّاسَ قَالَ فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ . قَالَ فَأَىُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْغَنَمُ . فَأُعْطِىَ شَاةً وَالِدًا فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا قَالَ فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنَ الإِبِلِ وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْبَقَرِ وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ . قَالَ ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ في صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ قَدِ انْقَطَعَتْ بِىَ الْحِبَالُ في سَفَرِى فَلاَ بَلاَغَ لِىَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِى أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ في سَفَرِى . فَقَالَ الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ . فَقَالَ لَهُ كَأَنِّى أَعْرِفُكَ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ فَقَالَ إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرً ا عَنْ كَابِرٍ . فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ . قَالَ وَأَتَى الأَقْرَعَ في صُورَتِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَى هَذَا فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ . قَالَ وَأَتَى الأَعْمَى في صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ انْقَطَعَتْ بِىَ الْحِبَالُ في سَفَرِى فَلاَ بَلاَغَ لِىَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِى رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا في سَفَرِى فَقَالَ قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ إِلَىَّ بَصَرِى فَخُذْ مَا شِئْتَ وَدَعْ مَا شِئْتَ فَوَاللهِ لاَ أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ شَيْئًا أَخَذْتَهُ لِلَّهِ فَقَالَ أَمْسِكْ مَالَكَ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رُضِىَ عَنْكَ وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ.\" أخرجه البخاري 4/208(3464) .
فالنفس تحب من أحسن إليها وتحب حفظ الجميل ورده لمن يستحقه , فهذا كعب بن مالك رضي الله عنه لما بُـشر بتوبة الله تعالى عليه انطلق مسرعاً للنبي صلى الله عليه وسلم فرحاً بذلك ، فقال عن نفسه : (دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحوله الناس، فقام طلحة بن عبيدالله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره). فكان كعب لا ينساها لطلحة.
فمن اللؤم الموجود عند البعض أن تكرمهم ثم يقابلون إحسانك بالإساءة . روي عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ؛أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ ، فَاجْتَوَوْهَا ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ ، فَتَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا ، فَفَعَلُوا فَصَحُّوا ، ثُمَّ مَالُوا عَلَى الرِّعَاةِ فَقَتَلُوهُمْ ، وَارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلاَمِ ، وَسَاقُوا ذَوْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَبَعَثَ فِي إِثْرِهِمْ ، فَأُتِيَ بِهِمْ ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ ، وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا.أخرجه مُسْلم 5/101(4368) وأخرجه النَّسَائِي ، في \"الكبرى\" 7526.
وهؤلاء هم الذين نزل فيهم قول الله تعالى : \" . { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأرض ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ المائدة : 33] .الواحدي : أسباب النزول 129.
كان عبد الله بن سلام متآخيا لأبي الدرداء ،بينهما أخوة ومحبة ومودة ،فلما مات عبدالله بن سلام ذهب ولده يوسف إلى الشام ليسأل عن أبي الدرداء لم يذهب إلا تجديداً للعهد ،ورعاية للحرمة والألفة وتأدية للحقوق ،فإن أبا الدرداء كان محباً لعبد الله بن سلام.فجاءه يوسف وهو يحتضر ،قد قارب مفارقة الدنيا ،ففرح به أبو الدرداء.
وكان ابن عمر يمشي في الصحراء على دابته فقابله أعرابي فتوقف ابن عمر ونزل ،ووقف معه ،وقال: ألست ابن فلان بن فلان؟ قال: بلى ،ثم ألبسه عمامة كانت عليه وقال له: اشدد به رأسك ،ثم أعطاه دابته وقال: اركب هذا ،فتعجب أصحاب ابن عمر ،وقالوا له: إن هذا من الأعراب ،وهم يرضون بالقليل ،فقال: إن أبا هذا كان وِدّاً لعمر. وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي)) أَخْرَجَهُ أحمد 2/88(5612) و\"البُخَارِي\" في (الأدب المفرد) 41 و\"مسلم\" 8/6(6605) .
جاء في الأدب والسير ، أن أعرابياً وفد على الخليفة وهو يبكي.قال الخليفة: ما لك؟قال : أصبت بأعظم من مصيبة المال.قال: ما قصدك؟قال: ربيت ولدي، سهرت ونام،وأشبعته وجعت، وتعبت وارتاح، فلما كبر وأصابني الدهر واحدودب ظهري من الأيام والليالي تغمط حقي، ثم بكى وقال:
وربيته حتى تركته أخا القوم * * واستغنى عن الطر شاربه
تغمط حقي ظالماً ولوى يدي * * لوى الله يده الذي هو غالبه
قيل : فلويت يد الابن وأصبحت وراء ظهره.
وهذه قصة ذو الإصبع العدواني الذي وقع في ضائقة فلجأ لابن عمه وكان يؤمل فيه فتخلى عنه ولم يكن عند حسن الظن فغضب حتى خرج عن طوره وقال ما لا ينبغي أن يقال فقال:
ولِي ابنُ عَمٍّ عَلَى ما كان من خُلُقٍ ... مُخْتَلِفَانِ فَأَقلِيهِ ويَقْلِيني
أَزْرَى بِنَا أَنَّنَا شَالَتْ نَعَامَتُنا ... فَخَالَنِي دُونَهُ بَلْ خِلْتُهُ دُونِي
لاَهِ ابنُ عَمِّك لا أَفْضَلْتَ في حَسَبٍ ... عَنِّي، ولا أَنْتَ دَيانِي فَتَخْزُونِي
ولا تقوقت عيالي يوم مسبغة ... ولا بنفسك في العزاء تكفيني
فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي ... فإن ذلك مما ليس يشجيني
ولا يرى في غير الصبر منقصة ... وما سواه فإن الله يكفيني
إن الذي يقبض الدنيا ويبسطها ... إن كان أغناك عني سوف يغنيني
الله يعلمني والله يعلمكم ... والله يجزيكم عني ويجزيني
كل امرئ صائر يوماً لشيمته ... وإن تخلق أخلاقاً إلى حين
إني لعمرك ما بابي بذى غلق ... عن الصديق ولا خيري بممنون
ذكر ابن الجوزي في المنتظم أن المأمون بلغه أن رجلا يأتي كل يوم إلى قبور البرامكة فيبكي عليهم ويندبهم، فبعث من جاء به فدخل عليه وقد يئس من الحياة، فقال له: ويحك ! ما يحملك على صنيعك هذا ؟ فقال: يا أمير المؤمنين إنهم أسدوا إلي معروفا وخيرا كثيرا.
فقال: وما الذي أسدوه إليك ؟ فقال: أنا المنذر بن المغيرة من أهل دمشق، كنت بدمشق في نعمة عظيمة واسعة، فزالت عني حتى أفضى بي الحال إلى أن بعت داري، ثم لم يبق لي شئ، فأشار بعض أصحابي علي بقصد البرامكة ببغداد، فأتيت أهلي وتحملت بعيالي، فأتيت بغداد ومعي نيف وعشرون امرأة فانزل في مسجد مهجور ثم قصدت مسجدا مأهولا أصلي فيه.
فدخلت مسجدا فيه جماعة لم أر أحسن وجوها منهم، فجلست إليهم فجعلت أدبر في نفسي كلاما أطلب به منهم قوتا للعيال الذين معي، فيمنعني من ذلك السؤال الحياء، فبينا أنا كذلك إذا بخادم قد أقبل فدعاهم فقاموا كلهم وقمت معهم، فدخلوا دارا عظيمة، فإذا الوزير يحيى بن خالد جالس فيها فجلسوا حوله، فعقد عقد ابنته عائشة على ابن عم له ونثروا فلق المسك وبنادق العنبر، ثم جاء الخدم إلى كل واحد من الجماعة بصينية من فضة فيها ألف دينار، ومعها فتات المسك، فأخذها القوم ونهضوا وبقيت أنا جالسا، وبين يدي الصينية التي وضعوها لي، وأنا أهاب أن آخذها من عظمتها في نفسي، فقال لي بعض الحاضرين: ألا تأخذها وتذهب ؟ فمددت يدي فأخذتها فأفرغت ذهبها في جيبي وأخذت الصينية تحت إبطي وقمت، وأنا خائف أن تؤخذ مني، فجعلت أتلفت والوزير ينظر إلي وأنا لا أشعر، فلما بلغت الستارة أمرهم فردوني فيئست من المال، فلما رجعت قال لي: ما شأنك خائف ؟ فقصصت عليه خبري، فبكى ثم قال لأولاده: خذوا هذا فضموه إليكم.
فجاءني خادم فأخذ مني الصينية والذهب وأقمت عندهم عشرة أيام من ولد إلى ولد، وخاطري كله عند عيالي، ولا يمكنني الانصراف، فلما انقضت العشرة الأيام جاءني خادم فقال: ألا تذهب إلى عيالك ؟ فقلت: بلى والله، فقام يمشي أمامي ولم يعطني الذهب والصينية، فقلت: يا ليت هذا كان قبل أن يؤخذ مني الصينية والذهب، يا ليت عيالي رأوا ذلك.
فسار يمشي أمامي إلى دار لم أر أحسن منها، فدخلتها فإذا عيالي يتمرغون في الذهب والحرير فيها، وقد بعثوا إلى الدار مائة ألف درهم وعشرة آلاف دينار، وكتابا فيه تمليك الدار بما فيها، وكتابا آخر فيه تمليك قريتين جليلتين، فكنت مع البرامكة في أطيب عيش، فلما أصيبوا أخذ مني عمرو بن مسعدة القريتين وألزمني بخراجهما، فكلما لحقتني فاقة قصدت دورهم وقبورهم فبكيت عليهم.
فأمر المأمون برد القريتين، فبكى الشيخ بكاء شديدا فقال المأمون: مالك ؟ ألم استأنف بك جميلا ؟ قال: بلى ! ولكن هو من بركة البرامكة.
فقال له المأمون: امض مصاحبا فإن الوفاء مبارك، ومراعاة حسن العهد والصحبة من الإيمان.
البداية والنهاية , لابن كثير 10/214 .
وهذه قصة لطيفة تبين أهمية الوفاء وقيمته والقصة تبدأ عندما كان هناك صديقان يمشيان في الصحراء ، خلال الرحلة تجادل الصديقان فضرب أحدهما الآخر على وجهه.الرجل الذي ضرب على وجهه تألم ولكنه دون أن ينطق بكلمة واحدة كتب على الرمال : اليوم أعز أصدقائي ضربني على وجهي .استمر الصديقان في مشيهما إلى أن وجدوا واحة فقرروا أن يستحموا.الرجل الذي ضرب على وجهه علقت قدمه في الرمال المتحركة و بدأ في الغرق، ولكن صديقة أمسكه وأنقذه من الغرق.وبعد أن نجا الصديق من الموت قام وكتب على قطعة من الصخر :اليوم أعز أصدقائي أنقذ حياتي .الصديق الذي ضرب صديقه وأنقده من الموت سأله :لماذا في المرة الأولى عندما ضربتك كتبت على الرمال والآن عندما أنقذتك كتبت على الصخرة ؟فأجاب صديقه : عندما يؤذينا أحد علينا أن نكتب ما فعله على الرمال حيث رياح التسامح يمكن لها أن تمحيها ،ولكن عندما يصنع أحد معنا معروفاً فعلينا أن نكتب ما فعل معنا على الصخر حيث لا يوجد أي نوع من الرياح يمكن أن يمحوها ..تعلموا أن تكتبوا آلامكم على الرمال وأن تنحتوا المعروف على الصخر.
فأقسى شيء على نفس الإنسان أن يُقابل جميله بالنكران ومعروفه بالأذى.
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا.أخرجه ابن أَبي شَيْبَة 8/328(25312) وأحمد 2/527(10829) . والدارمي (2792).
ومن حسن أخلاق المسلم حفظ المعروف ورد الجميل ومقابلة الإحسان بالإحسان , والمكافأة للمعروف بمثله أو أحسن منه والدعاء لصاحبه، قال الله تعالى : ( وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) القصص 771 , وقال تعالى : ( هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) الرحمن 60. وقال : {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (91) سورة النحل.
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:لاَ يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ. أخرجه أحمد 2/258(7495) و\"البُخاري\" في \"الأدب المفرد\" 218 و\"أبو داود\" 4811 و\"التِّرمِذي\" 1954 و\"ابن حِبَّان\" 3407 .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنِ اسْتَجَارَ بِاللَّهِ فَأَجِيرُوهُ وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ.- وفي رواية :مَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ أَهْدَى لَكُمْ فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ. َخْرَجَهُ أحمد 2/68(5365) و\"البُخَارِي\" في (الأدب المفرد) 216. و\"أبو داود\" 1672 و\"النَّسائي\" 5/82 ، و\"الكبرى\" 2359 .
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر يتعلق بالمزيد، وهما مقرونان، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد)، وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: \"عليكم بملازمة الشكر على النعم، فقلَّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم\".
وقال الشاعر :
ومن يسدِ معروفًا إليك فكن له…شكورًا يكن معروفه غيرَ ضائع
ولا تبخلنّ بالشكر والقَرض فاجزه…تكن خير مصنوع إليه وصانع
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا ، أَدَّاهَا اللهُ عَنْهُ ، وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا ، أَتْلَفَهُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ.أخرب أحمد 2/361(8718) و\"البُخاري\" 2387 و\"ابن ماجة\" 2411 .
فعدم رد أمانات الناس نوع من نكران الجميل , وعدم حفظه , وهذا ليس من أخلاق المؤمن , فالنفس مجبولة على حب من أحسن إليها , ويسوؤها من يقابل الحسنة بالسيئة .
قال المتنبي:
إذا أنتَ أكرمتَ الكريمَ ملكتَهُ ... وإنْ أنتَ أكرمتَ اللَّئيمَ تمرَّدا
ووضعُ النَّدَى في موضعِ السَّيْفِ بالعُلا ... مضرٌّ كوضعِ السَّيْفِ في موضعِ النَّدَى
قال علي بن فضال المجاشعي :
وإخوَانٍ حسِبتهُمُ دُرُوعاً ... فكانوها ولكنْ للأَعَادِي
وخلتُهُمُ سِهاماً صائِباتٍ ... فكانوها ولكنْ في فُؤادِي
وقالوا قد صَفَتْ منَّا قُلوبٌ ... لقدْ صَدَقوا ولكنْ من ودَادِي
وقالوا قدْ سَعينَا كلّ سَعْيٍ ... لقدْ صَدَقوا ولكنْ في فَسادِي
ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حفظ الجميل ورده , وفي الوفاء لمن أحسن .
فها هو صلى الله عليه وسلم يرد الجميل لعمه أبي طالب الذي تكفل بتربيته بعد وفاة جده عبد المطلب , فلا ينسى له ذلك , فحينما يتزوج السيدة خديجة رضي الله عنه يأخذ ابن عمه علياً في كنفه ورعايته رداً لجميل عمه ومساعدة له .
كما ضرب النموذج الأعلى في الوفاء للزوجة التي واسته ووقفت بجواره , فلم يتنكر لها , ولم ينس جميلها , فعن مسروق ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة ، فيحسن عليها الثناء ، فذكرها يوما من الأيام ، فأدركتني الغيرة فقلت : هل كانت إلا عجوزا ، فقد أبدلك الله عز وجل خيرا منها ، فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب ، ثم قال : « لا والله ما أخلف الله لي خيرا منها ، وقد آمنت بي إذ كفر بي الناس ، وصدقتني وكذبني الناس ، وواستني من مالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله عز وجل الأولاد منها ، إذ حرمني أولاد النساء » قالت عائشة رضي الله عنها : فقلت : بيني وبين نفسي لا أذكرها بسيئة أبدا \" .
مسند أحمد (6/117) عن عائشة رضي الله عنها، وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير (23/13)، وحسن إسناده الهيثمي في المجمع (9/224).
وروى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه السلام كان إذا ذبح الشاة قال: ((أرسلوا إلى أصدقاء خديجة، فذكرت له يومًا، فقال: إني لأحب حبيبها)), وفي رواية: ((إني رزقت حبها)).
وروت عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت عجوز إلى النبي عليه السلام وهو عندي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أنت؟))، قالت: أنا جثامة المزنية، قال: ((بل أنت حسّانة المزنية، كيف أنتم، كيف حالكم، كيف كنتم بعدها؟)).
قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله, فلما خرجت، قلت: يا رسول الله، تُقبل على هذه العجوز هذا الإقبال، قال: ((إنها كانت تأتينا زمن خديجة, وإن حسن العهد من الإيمان)).
أخرجه الحاكم (1/62 ، رقم 40) ، وقال : صحيح على شرط الشيخين .
ولقد أعطى صلى الله عليه وسلم عمه العباس قميصه لما جئ به أسيراً يوم بدر، رداً للجميل ووفاء لمواقفه معه وبخاصة في بيعة العقبة . انظر: صحيح السيرة النبوية، ص621،622؛ السيرة لأبي شهبة (28534).
وليس ذلك خلقاً منه صلى الله عليه وسلم مع أهل بيته وعشيرته بل مع جميع أصحابه فها هو صلى الله عليه وسلم يذكر فضل أبي بكر ومواقفه الطيبة معه فيقول : \"مَا لأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلاَّ وَقَدْ كَافَيْنَاهُ مَا خَلاَ أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِئُهُ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا نَفَعَنِى مَالُ أَحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعَنِى مَالُ أَبِى بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً أَلاَ وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللهِ . قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.أخرجه الترمذي (3661) الألباني :صحيح ، ابن ماجة ( 94 ) ورواه أبو هريرة رضي الله عنه .
وكان من وفائه لأصحابه موقفه مع حاطب بن أبي بلتعة مع ما بدر منه حين أفشى سر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام في أشد المواقف خطورة ، عن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى رَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضى الله عنه - يَقُولُ بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ قَالَ « انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ ، فَخُذُوهُ مِنْهَا » . فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِى الْكِتَابَ . فَقَالَتْ مَا مَعِى مِنْ كِتَابٍ . فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ . فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا ، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِى بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى ا لله عليه وسلم - « يَا حَاطِبُ ، مَا هَذَا » . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لاَ تَعْجَلْ عَلَىَّ ، إِنِّى كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا في قُرَيْشٍ ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا ، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ ، يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِى ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِى ، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَقَدْ صَدَقَكُمْ » . قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِى أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ . قَالَ « إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ». صحيح البخاري(3007 ).
بل كان صلى الله عليه وسلم يحفظ الجميل مع غير المسلمين من الذين لم يؤذوه ولم يعادوه , وكانت لهم مواقف طيبة معه .
فها هو المطعم بن عدي الذي سعى في نقض الصحيفة التي علقتها قريش على الكعبة وفيها مقاطعة بني هاشم وبني المطلب لأنهم نصروا النبي صلى الله عليه و سلم .
وذكر ابن هشام موقفاً آخر له مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما انصرف النبي عن أهل الطائف ولم يجيبوه لما دعاهم إليه من تصديقه ونصرته صار إلى حراء ثم بعث إلى الاخنس بن شريق ليجيره فقال أنا حليف والحليف لا يجير فبعث إلى سهيل بن عمرو فقال إن بنى عامر لا تجير على بنى كعب فبعث إلى المطعم بن عدى فأجابه إلى ذلك ثم تسلح المطعم وأهل بيته وخرجوا حتى أتوا المسجد ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ادخل فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت وصلى عنده ثم انصرف إلى منزله. عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير: ابن سيد الناس 1/179.
ولأجل هذه السابقة التي سلفت للمطعم بن عدى روى مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ ؛أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ : لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى ، لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ.
- وفي رواية : لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ حَيًّا ، قَالَ : وَكَانَ لَهُ عِنْدَهُ يَدٌ ، فَكَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى ، لأَطْلَقْتُهُمْ ، أُسَارَى بَدْرٍ.أخرجه \"أحمد\" 4/80(16853). و\"البُخَارِي\" 4/111(3139) و5/110(4024) و\"أبو داود\" 2689.
ولقد أثنى شاعر الرسول - صلى الله عليه وسلم - حسان بن ثابت على موقف مطعم فقال في مدحه:
فلو كان مجدٌ مخلد اليوم واحداً... من الناس نجَّى مجده اليوم مطعماً
أجرت رسول الله منهم فأصبحوا... عبادك مالَّيس مُحلُّ وأحَرَما
فلو سُئلت عنه معد بأسرها... وقحطان أو باقي بقية جرهما
لقالوا هو المُوفي بخُفرة جاره... وذمته يوماً إذا ما تجشّما
وما تطلع الشمس المنيرة فوقهم... على مثله فيهم أعزَّ وأكرما
إباء إذا يأبى وألين شيمة... وأنوم عن جار إذا الليل أظلما
البداية والنهاية لابن كثير(3/136).
وهذا أبو البختري كان في صف المشركين يوم بدر فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله، قال ابن هشام: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَإِنّمَا نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ قَتْلِ أَبِي الْبَخْتَرِيّ لِأَنّهُ كَانَ أَكَفّ الْقَوْمِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِمَكّةَ وَكَانَ لَا يُؤْذِيهِ وَلَا يَبْلُغُهُ عَنْهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ وَكَانَ مِمّنْ قَامَ فِي نَقْضِ الصّحِيفَةِ الّتِي كَتَبَتْ قُرَيْشٌ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ .ابن هشام : السيرة النبوية 1/628. والبيهقي : دلائل النبوة 2/144 .
ولقد قص علينا النبي صلى الله عليه وسلم هذه القصة التي تؤكد معاني الوفاء وحفظ العهد , فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي يقول: إِنَّ ثَلاَثَةً في بَنِى إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فَأَتَى الأَبْرَصَ فَقَالَ أَىُّ شَىْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّى الَّذِى قَدْ قَذِرَنِى النَّاسُ . قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ وَأُعْطِىَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا قَالَ فَأَىُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الإِبِلُ أَوْ قَالَ الْبَقَرُ شَكَّ إِسْحَاقُ إِلاَّ أَنَّ الأَبْرَصَ أَوِ الأَقْرَعَ قَالَ أَحَدُهُمَا الإِبِلُ وَقَالَ الآخَرُ الْبَقَرُ قَالَ فَأُعْطِىَ نَاقَةً عُشَرَاءَ فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا قَالَ فَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ أَىُّ شَىْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّى هَذَا الَّذِى قَذِرَنِى النَّاسُ . قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ وَأُعْطِىَ شَعَرًا حَسَنًا قَالَ فَأَىُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْبَقَرُ . فَأُعْطِىَ بَقَرَةً حَامِلاً فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا قَالَ فَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ أَىُّ شَىْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ إِلَىَّ بَصَرِى فَأُبْصِرَ بِهِ النَّاسَ قَالَ فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ . قَالَ فَأَىُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْغَنَمُ . فَأُعْطِىَ شَاةً وَالِدًا فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا قَالَ فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنَ الإِبِلِ وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْبَقَرِ وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ . قَالَ ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ في صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ قَدِ انْقَطَعَتْ بِىَ الْحِبَالُ في سَفَرِى فَلاَ بَلاَغَ لِىَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِى أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ في سَفَرِى . فَقَالَ الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ . فَقَالَ لَهُ كَأَنِّى أَعْرِفُكَ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ فَقَالَ إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرً ا عَنْ كَابِرٍ . فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ . قَالَ وَأَتَى الأَقْرَعَ في صُورَتِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَى هَذَا فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ . قَالَ وَأَتَى الأَعْمَى في صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ انْقَطَعَتْ بِىَ الْحِبَالُ في سَفَرِى فَلاَ بَلاَغَ لِىَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِى رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا في سَفَرِى فَقَالَ قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ إِلَىَّ بَصَرِى فَخُذْ مَا شِئْتَ وَدَعْ مَا شِئْتَ فَوَاللهِ لاَ أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ شَيْئًا أَخَذْتَهُ لِلَّهِ فَقَالَ أَمْسِكْ مَالَكَ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رُضِىَ عَنْكَ وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ.\" أخرجه البخاري 4/208(3464) .
فالنفس تحب من أحسن إليها وتحب حفظ الجميل ورده لمن يستحقه , فهذا كعب بن مالك رضي الله عنه لما بُـشر بتوبة الله تعالى عليه انطلق مسرعاً للنبي صلى الله عليه وسلم فرحاً بذلك ، فقال عن نفسه : (دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحوله الناس، فقام طلحة بن عبيدالله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره). فكان كعب لا ينساها لطلحة.
فمن اللؤم الموجود عند البعض أن تكرمهم ثم يقابلون إحسانك بالإساءة . روي عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ؛أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ ، فَاجْتَوَوْهَا ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ ، فَتَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا ، فَفَعَلُوا فَصَحُّوا ، ثُمَّ مَالُوا عَلَى الرِّعَاةِ فَقَتَلُوهُمْ ، وَارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلاَمِ ، وَسَاقُوا ذَوْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَبَعَثَ فِي إِثْرِهِمْ ، فَأُتِيَ بِهِمْ ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ ، وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا.أخرجه مُسْلم 5/101(4368) وأخرجه النَّسَائِي ، في \"الكبرى\" 7526.
وهؤلاء هم الذين نزل فيهم قول الله تعالى : \" . { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأرض ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ المائدة : 33] .الواحدي : أسباب النزول 129.
كان عبد الله بن سلام متآخيا لأبي الدرداء ،بينهما أخوة ومحبة ومودة ،فلما مات عبدالله بن سلام ذهب ولده يوسف إلى الشام ليسأل عن أبي الدرداء لم يذهب إلا تجديداً للعهد ،ورعاية للحرمة والألفة وتأدية للحقوق ،فإن أبا الدرداء كان محباً لعبد الله بن سلام.فجاءه يوسف وهو يحتضر ،قد قارب مفارقة الدنيا ،ففرح به أبو الدرداء.
وكان ابن عمر يمشي في الصحراء على دابته فقابله أعرابي فتوقف ابن عمر ونزل ،ووقف معه ،وقال: ألست ابن فلان بن فلان؟ قال: بلى ،ثم ألبسه عمامة كانت عليه وقال له: اشدد به رأسك ،ثم أعطاه دابته وقال: اركب هذا ،فتعجب أصحاب ابن عمر ،وقالوا له: إن هذا من الأعراب ،وهم يرضون بالقليل ،فقال: إن أبا هذا كان وِدّاً لعمر. وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي)) أَخْرَجَهُ أحمد 2/88(5612) و\"البُخَارِي\" في (الأدب المفرد) 41 و\"مسلم\" 8/6(6605) .
جاء في الأدب والسير ، أن أعرابياً وفد على الخليفة وهو يبكي.قال الخليفة: ما لك؟قال : أصبت بأعظم من مصيبة المال.قال: ما قصدك؟قال: ربيت ولدي، سهرت ونام،وأشبعته وجعت، وتعبت وارتاح، فلما كبر وأصابني الدهر واحدودب ظهري من الأيام والليالي تغمط حقي، ثم بكى وقال:
وربيته حتى تركته أخا القوم * * واستغنى عن الطر شاربه
تغمط حقي ظالماً ولوى يدي * * لوى الله يده الذي هو غالبه
قيل : فلويت يد الابن وأصبحت وراء ظهره.
وهذه قصة ذو الإصبع العدواني الذي وقع في ضائقة فلجأ لابن عمه وكان يؤمل فيه فتخلى عنه ولم يكن عند حسن الظن فغضب حتى خرج عن طوره وقال ما لا ينبغي أن يقال فقال:
ولِي ابنُ عَمٍّ عَلَى ما كان من خُلُقٍ ... مُخْتَلِفَانِ فَأَقلِيهِ ويَقْلِيني
أَزْرَى بِنَا أَنَّنَا شَالَتْ نَعَامَتُنا ... فَخَالَنِي دُونَهُ بَلْ خِلْتُهُ دُونِي
لاَهِ ابنُ عَمِّك لا أَفْضَلْتَ في حَسَبٍ ... عَنِّي، ولا أَنْتَ دَيانِي فَتَخْزُونِي
ولا تقوقت عيالي يوم مسبغة ... ولا بنفسك في العزاء تكفيني
فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي ... فإن ذلك مما ليس يشجيني
ولا يرى في غير الصبر منقصة ... وما سواه فإن الله يكفيني
إن الذي يقبض الدنيا ويبسطها ... إن كان أغناك عني سوف يغنيني
الله يعلمني والله يعلمكم ... والله يجزيكم عني ويجزيني
كل امرئ صائر يوماً لشيمته ... وإن تخلق أخلاقاً إلى حين
إني لعمرك ما بابي بذى غلق ... عن الصديق ولا خيري بممنون
ذكر ابن الجوزي في المنتظم أن المأمون بلغه أن رجلا يأتي كل يوم إلى قبور البرامكة فيبكي عليهم ويندبهم، فبعث من جاء به فدخل عليه وقد يئس من الحياة، فقال له: ويحك ! ما يحملك على صنيعك هذا ؟ فقال: يا أمير المؤمنين إنهم أسدوا إلي معروفا وخيرا كثيرا.
فقال: وما الذي أسدوه إليك ؟ فقال: أنا المنذر بن المغيرة من أهل دمشق، كنت بدمشق في نعمة عظيمة واسعة، فزالت عني حتى أفضى بي الحال إلى أن بعت داري، ثم لم يبق لي شئ، فأشار بعض أصحابي علي بقصد البرامكة ببغداد، فأتيت أهلي وتحملت بعيالي، فأتيت بغداد ومعي نيف وعشرون امرأة فانزل في مسجد مهجور ثم قصدت مسجدا مأهولا أصلي فيه.
فدخلت مسجدا فيه جماعة لم أر أحسن وجوها منهم، فجلست إليهم فجعلت أدبر في نفسي كلاما أطلب به منهم قوتا للعيال الذين معي، فيمنعني من ذلك السؤال الحياء، فبينا أنا كذلك إذا بخادم قد أقبل فدعاهم فقاموا كلهم وقمت معهم، فدخلوا دارا عظيمة، فإذا الوزير يحيى بن خالد جالس فيها فجلسوا حوله، فعقد عقد ابنته عائشة على ابن عم له ونثروا فلق المسك وبنادق العنبر، ثم جاء الخدم إلى كل واحد من الجماعة بصينية من فضة فيها ألف دينار، ومعها فتات المسك، فأخذها القوم ونهضوا وبقيت أنا جالسا، وبين يدي الصينية التي وضعوها لي، وأنا أهاب أن آخذها من عظمتها في نفسي، فقال لي بعض الحاضرين: ألا تأخذها وتذهب ؟ فمددت يدي فأخذتها فأفرغت ذهبها في جيبي وأخذت الصينية تحت إبطي وقمت، وأنا خائف أن تؤخذ مني، فجعلت أتلفت والوزير ينظر إلي وأنا لا أشعر، فلما بلغت الستارة أمرهم فردوني فيئست من المال، فلما رجعت قال لي: ما شأنك خائف ؟ فقصصت عليه خبري، فبكى ثم قال لأولاده: خذوا هذا فضموه إليكم.
فجاءني خادم فأخذ مني الصينية والذهب وأقمت عندهم عشرة أيام من ولد إلى ولد، وخاطري كله عند عيالي، ولا يمكنني الانصراف، فلما انقضت العشرة الأيام جاءني خادم فقال: ألا تذهب إلى عيالك ؟ فقلت: بلى والله، فقام يمشي أمامي ولم يعطني الذهب والصينية، فقلت: يا ليت هذا كان قبل أن يؤخذ مني الصينية والذهب، يا ليت عيالي رأوا ذلك.
فسار يمشي أمامي إلى دار لم أر أحسن منها، فدخلتها فإذا عيالي يتمرغون في الذهب والحرير فيها، وقد بعثوا إلى الدار مائة ألف درهم وعشرة آلاف دينار، وكتابا فيه تمليك الدار بما فيها، وكتابا آخر فيه تمليك قريتين جليلتين، فكنت مع البرامكة في أطيب عيش، فلما أصيبوا أخذ مني عمرو بن مسعدة القريتين وألزمني بخراجهما، فكلما لحقتني فاقة قصدت دورهم وقبورهم فبكيت عليهم.
فأمر المأمون برد القريتين، فبكى الشيخ بكاء شديدا فقال المأمون: مالك ؟ ألم استأنف بك جميلا ؟ قال: بلى ! ولكن هو من بركة البرامكة.
فقال له المأمون: امض مصاحبا فإن الوفاء مبارك، ومراعاة حسن العهد والصحبة من الإيمان.
البداية والنهاية , لابن كثير 10/214 .
وهذه قصة لطيفة تبين أهمية الوفاء وقيمته والقصة تبدأ عندما كان هناك صديقان يمشيان في الصحراء ، خلال الرحلة تجادل الصديقان فضرب أحدهما الآخر على وجهه.الرجل الذي ضرب على وجهه تألم ولكنه دون أن ينطق بكلمة واحدة كتب على الرمال : اليوم أعز أصدقائي ضربني على وجهي .استمر الصديقان في مشيهما إلى أن وجدوا واحة فقرروا أن يستحموا.الرجل الذي ضرب على وجهه علقت قدمه في الرمال المتحركة و بدأ في الغرق، ولكن صديقة أمسكه وأنقذه من الغرق.وبعد أن نجا الصديق من الموت قام وكتب على قطعة من الصخر :اليوم أعز أصدقائي أنقذ حياتي .الصديق الذي ضرب صديقه وأنقده من الموت سأله :لماذا في المرة الأولى عندما ضربتك كتبت على الرمال والآن عندما أنقذتك كتبت على الصخرة ؟فأجاب صديقه : عندما يؤذينا أحد علينا أن نكتب ما فعله على الرمال حيث رياح التسامح يمكن لها أن تمحيها ،ولكن عندما يصنع أحد معنا معروفاً فعلينا أن نكتب ما فعل معنا على الصخر حيث لا يوجد أي نوع من الرياح يمكن أن يمحوها ..تعلموا أن تكتبوا آلامكم على الرمال وأن تنحتوا المعروف على الصخر.
فأقسى شيء على نفس الإنسان أن يُقابل جميله بالنكران ومعروفه بالأذى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق