Social Icons

الأحد، 19 ديسمبر 2010

عودة الذئب....رواية طويلة

عودة الذئب

مقدمة
عاصفة هوجاء تهبّ، فيخاف منها الناس والحيوانات، فتدمّر العاصفة كلّ شيء حتى لا يجد الناس مكانًا يجتمعون فيه، فالشجر قد اقتلع من جذوره، والبيوت قد تهدّمت،
ويبقى ذئب وحيدا يقف بشموخ على صخرة ناظرًا إلى العاصفة، فيتشبث الذئب بمكانه دون حراك، حتى عندما ينسلخ جلده يبقى صامدًا لا يتحرّك ، ولا يصرخ عند الموت, ويبقى محدقًا بعدوّه إلى أن يموت.
هكذا نحن.....
سنبقى على الجبل, ننظر إلى الموت المحيط بنا دون أن نخاف منه

(1)
جلس شاردا على حافة صخرة كبيرة يتأمل قطرات الماء التى تسيل ببطء وانتظام من أوراق شجرة قريبة معلنه انتهاء الشتاء القارص وبداية الربيع
كانت الشجرة الفتيه تحاول جاهدة ان تنفض عن أوراقها بياض الشتاء الباهت , وتستبدله بخضرة الربيع الزاهى , لتلون الحياة بالبهجة بعد شهور طويلة من القتامه
تتبعت عيناه قطرات الماء التى انزلقت من الجليد النائم فوق الأوراق لتهوى سريعا الى الأرض وتستقر عند الجذع الضخم .
زهرة صغيرة...
جذبت عيناه اليها ومنعتهما من الصعود مجددا الى قمة الشجرة
زهرة تسكن عند الجذع , يحيط بها بيت من ثلج زجاجى تطل منه على العالم , تترقب عودة الربيع ليذيب قضبان سجنها الزجاجى , لتخرج للحياة من جديد
تمنى لو يمد يديه اليها , يكسر السجن الجليدى من حولها , يعيد اليها الحياة .
لكنه تذكر ان الأوان لم يحن بعد.
رفع عينيه الى السماء . ومد بصره بعيدا.....
خلف قمم الجبال التى تغطيها الثلوج ...
هناك ...
حيث ترك قلبه
عاوده الحنين والشوق للعوده الى هناك...اليها...
اصطدم الهواء البارد بوجهه فاستنشقه بعمق وكأنما وبرغم البعد يجد فيه رائحتها ..تمنى لو يتشبث بأنفاسه...ببقايا عطرها الذى يدفئ قلبه
أيها القائد.....
غادر شروده وحنينه وكتم شوقه بين ضلوعه والتفت الى محدثه الذى قال : لقد عاد الشابين من المهمه التى أرسلتهما فيها
كرر الجندى عندما لم يتلق ردا : أيها القائد .انهما بانتظارك
قال القائد ببطء وبعد صمت : أنا قادم
عادت عيناه تنجذب من جديد للزهرة الصغيرة السجينه , ثم امتدت بعيدا خلف قمم الجبال , ألقى بنظرة حانية أخيرة اليها هناك...
زفر بقوه وعزم....ولمعت عيناه ببريق قوى وهو يهمس :
سأعود............
.................................................. ..
دخل القائد الى الحجره التى ينتظره فيها الشابين وقال بجديه واقتضاب : السلام عليكم
رد الشابان الذان دخلا العشرينات منذ شهور قليلة السلام وهما يقفان أمام القائد باعتدال وعلى وجه أحدهما استقرت ابتسامة ثقة كبيرة لفتت انتباه القائد وجعلته يتأمله قليلا قبل أن يقول : اجلسا
جلس الثلاثة حول منضده صغيرة فى وسط الحجره , وأصغى الشابين باهتمام الى القائد الذى قال مباشرة:
كيف كانت المهمه ؟ وما آخر الأخبار؟
قال الأول بجديه : لقد جمعنا كل المعلومات اللازمه عنه ..ولكن...
يبدو أن المهمه ستكون شديدة الصعوبه
شبك القائد أصابعه فوق المنضده وقال بهدوء: لكن الأمر يستحق , فلاتنسى أنه شديد الأهميه بالنسبة لنا ..
قال الثانى وابتسامته الدائمه تضفى بريقا غريبا على وجهه مما جعل القائد ينظر فى وجهه طويلا وهو يستمع اليه :
قد يكون الأمر صعبا لكنه ليس بمستحيل , وبقليل من التفكير يمكن أن نرسم خطه محكمه للإيقاع به
تنحنح الأول وقال بتردد : ولكن المسافه طويله للغايه , والأمر شديد الخطوره وقد نتعرض للكشف فى أى وقت
لن نستطيع انجاز المهمه
رماه القائد بنظرة قوية وقال بعزم : لابد من انجاز المهمه مهما كانت التضحيات , سنحضره الى هنا مهما كان الثمن
ثم أردف بلهجة واثقه : لدى خطه محكمه
أخذ القائد يشرح خطته للشابين وبعد أن انتهى
الأول بدهشه : حقا , خطه شديدة الإحكام , ولكن؟ألن يشك فى الأمر؟
قال الثانى وابتسامته تتسع لتشمل كل وجهه وهو يقول بحماس كبير :الطعم أقوى بكثير من أن يدع له فرصه للشك...
قال القائد ونظرة شديدة الدهاء تطل من عينيه :
هذا صحيح .انه شديد الطمع , وأنا أستغل هذا جيدا , لن يفوت مثل هذه الفرصه أبدا , حتى لو كانت لديه نسبة شك بسيطه
قال الأول : ولكنه شديد الدهاء , أخشى أن يفاجئنا بحركه غادره.
القائد بثقه : لن يدرك الأمر الا بعد أن يكون بين أيدينا
وقريبا جدا , سيكون بين أيدينا
قال الجمله الأخيره وهو يطبق قبضته بقوه وعيناه تشعان ببريق شرس , يجعلهما أشبه بعينى ذئب
...............................................
أطلت شمس الصباح الدافئه تقبل وجه النهر الجميل وتنثر حبات اللؤلؤ والماس فوق مياهه الصافية لتزيده جمالا وبهاءا فى أحد أيام الربيع الدافئ الذى يلقى بثوبه الأخضر الزاهى على الأشجار لترقص فرحة على أغنيات الطيور الشجية
ملأ محمد عينيه بذلك المشهد الرائع الذى يخلب القلوب والألباب وهو يقود سيارته المستأجرة عابرا فوق كوبرى قصر النيل فى وسط القاهرة والذكريات تأتى اليه من كل مكان
ذكريات الفتوة والشباب .
أيام عديده قضاها فى أحضان ذلك البلد الدافئ الحنون, بين جامعة الأزهر العريقه , وحى الدراسه , ومدينة البعوث
قطع ذكرياته عندما وصل الى وجهته.
الى شارع محمد على الشهير.
أوقف سيارته واتجه الى شارع المغربلين الضيق سيرا على قدميه
وفى هذا الشارع الضيق العريق الذى يقبع فى آخره أحد الأبواب الأثريه للقاهرة الإسلامية , جلس على مقهى صغير ليشرب كوبا من الشاى المصرى المعطر بالنعناع الذكى الذى اشتاق اليه طويلا , أثار وجوده فضول أهل المنطقه , فهو غريب عن أهل الحى الذى يعرف بعضهم بعضا جيدا, كما ان مظهره لا يبدو كسائح أتى لرؤية المعالم الأثريه للقاهرة القديمة , أخذوا يتأملونه بوسامته الشديده ووجهه الأبيض المشرب بحمره والذى يختفى أغلبه تحت لحيته المستديره الناعمة الشديدة السواد الا من بعض شعيرات بيضاء تناثرت فوقها
قام بعض رواد المقهى باستثارة فضول صاحب المقهى (الحاج جاد الله) ليعرف من هذا الضيف الغريب وما الذى اتى به فى ذلك الشارع الشعبى الضيق
اتجه الحاج جاد الله الى الطاوله التى يجلس اليها الغريب
وخاطبه بود قائلا : السلام عليكم
التفت اليه محمد وقال بابتسامة شديدة الوقار : وعليكم السلام ورحمة الله , تفضل بالجلوس
جلس صاحب المقهى وهو يقول بابتسامة ودودة :
يا مرحب يا مرحب....حضرتك مش من هنا؟
محمد بود مماثل : أنا من بلاد بعيده
جاد الله : يا أهلا وسهلا ...حضرتك أول مره تيجى مصر؟
محمد باقتضاب : أنا أزهرى ...
جاد الله : واسم الكريم ايه؟
محمد : محمد..
جاد الله : يا مرحب يا شيخ محمد ..أى خدمه؟
محمد : أبحث عن السيده فتحيه أم سلطان
جاد الله: مراة الأسطى بسيونى؟ أهه ..بيتها فى الزقاق اللى على يمينك ده.... البيت التالت
محمد : جزاك الله كل خير..سأذهب اليهم بعد أن أنتهى من الشاى
جاد الله بفضول : انما لامؤاخذه يعنى..أنا مش حشرى ولا حاجه..
هو حضرتك تعرفها منين؟..وعاوز منها ايه؟
التفت اليه محمد ببطء ورماه بنظره قويه أخجلته بشده
فضحك بخجل : ها هأ ..لا مؤاخذه..البيت أهه ..هما ساكنين فى الأرضى
يا اسطى بسيووووووونى . يا أبو سلطان, يا اسطى بيسووو
يلتفت الجميع صوب الصوت فيقابلهم فتى وسيم يدخل الحاره بصخب غير عادى مشاكسا بيديه فى مرح كل من فى طريقه
جاد الله بتأفف : يافتاح ياعليم ..ايه اللى حدفه علينا ده؟ ما كنا مرتاحين من وشه بقالنا اسبوع
ربنا يعدى اليوم ده على خير
يتأمل محمد الفتى باهتمام شديد ويركز نظراته عليه وهو يشرب كوب الشاى ببطء
كان يبدو من هيئته أنه شاب مستهتر , طويل. يرتدى ملابس ضيقه ذات ألوان صارخه , وشعره الفاحم طويل ومصفف بعنايه ولامع بفعل مثبتات الشعر الكيميائيه
يقترب الفتى من المقهى وهو يقبل أصابع يده بصوت ملحوظ: صباح الفل يا عم جاد
جاد الله بضيق : ما كنا مرتاحين...ياترى أنهى مصيبه حدفتك علينا
استرها يارب
الفتى : الله الله ..جرى ايه ياعم جاد؟ هو أنا كنت جوز أمك؟مالك كده واخدنى عالحامى؟
جاد الله : اطّرّق يله من هنا لحسن أقوم أمسح بيك الشارع
الفتى : ليه كده بس ؟ دانا كنت جايبلك طلبيه جديده ...وبسعر مهاود
جاد الله : تغور من وشك...ربنا يكفينا شرّك
ينظر الفتى تجاه محل الميكانيكى المواجه للمقهى ويشير بيديه بالتحيه : صباحك قشطه ياعم فرغلى
يظهر على وجه فرغلى الإشمئزاز ويدير ظهره له ولا يرد
يعود الفتى لجاد الله : بالراحه شويه عليا يا عم جاد..مش كفايه أبا بسيونى ...طردنى من البيت و مش عاوز يبص فى وشى؟
جاد الله : من عمايلك السوده..كفايه البهدله اللى اتبهدلها بسببك جرجروه عالقسم وسين وجيم.....مخدرات يابن ال...ولا بلاش
انت يله مش هاتبطل شغل الشياطين ده
يلاحظ الفتى أن محمد لم يحول عينيه عنه منذ بداية الحوارفيركز نظراته عليه وهو يقول مخاطبا جاد بمسكنه :
طب والله برئ ..دول حتتين حشيش عمى الواد قطوشه هو اللى دبسنى فيهم
يا عمر ...يا عمر ..
يلتفت الجميع الى صوت الفتاه التى تطل من شرفة بيت فتحيه وهى تقول : تعالى أمى عاوزاك
يشير الفتى بيده وهو يقول : ماشى ..جى على طول
جاد الله : يالله يله غور من هنا ...وبطل شغل اللبط بتاعك ده
الفتى : ماشى يا معلم...أنا رايح أشوف أمى
يتابعه محمد بعينيه وهو يتمايل مختالا فى مشيته حتى يغيب داخل بيت فتحيه أم سلطان ثم يلتفت الى جاد الله ويسأله باهتمام : ابنها؟
جاد الله بانفعال : ابنها مين؟ الله يحرقه...دا واد ابن حرام
يلتفت اليه محمد ويرميه بنظره قاسيه
فيرتبك جاد الله ثم يستعيد هدوءه : ولا مؤاخذه..أصله مش ابنها ....هى مربياه بس ....بيقولوا انه ابن الدكتور صابر اللى كانت بتشتغل عنده من 17 سنه
يكمل جاد الله باهتمام من وجد مستمع جيد : الدكتور ده كان بيسافر كتير ..وهو اللى اداها الواد ده ...جالها بيه فى ليله ووصاها عليه واداها فلوس ..وقالها ان اسمه عمر الديب
ضحك جاد الله بسخريه : أهه حاجه كده زى الأفلام العربى
يظهر ان الواد ده ابنه من ...أستغفر الله...أصله ماكانش متجوز...ومالوش قرايب...ولما جوزها بسيونى عرف...شال الواد وراح على بيت الدكتور علشان يرجعهوله..لكن مالقاهوش...
البواب قاله ان البوليس قبض عليه ولحد النهارده محدش يعرف راح فين
الأسطى بسيونى ومراته ما هانش عليهم يرموا الواد فى الشارع..ربوه وسط عيالهم ورضعته على بنتها زينب ...البت اللى كانت بتنادى عليه من شويه
عارف يا حضرة !
كل ما كنت بشوفه وهو صغير, كنت أقول لنفسى : الواد ده يا اما يطلع حاجه كبيرة قوى, يا اما يطلع حرامى
من صغره والذكاوة والنباهه بتنط من وشه
كان واد حلانجى كده, بس دمه خفيف, والحارة كلها تحبه
ده حتى الأسطى بسيونى كان بيحبه قوى, وكان بيفضله على عياله اللى من دمه ولحمه
لكن تقول ايه...بلوه واتحدفت عليهم
محمد بهدوء : لا يمكن أن نحاسب انسان على خطأ ارتكبه غيره
جاد الله : انت أصلك راجل طيب,ما تعرفش اللى عمله
الواد ماتمرش فيه اللقمه الحلال اللى كالها فى بيت الأسطى بسيونى. ..اتلموا عليه شوية عيال صايعه ومشى فى كل السكك البطاله, اشى سرقه على نصب على مخدرات....ياساتر ..عامل زى المنشار...همه يجيب فلوس وبس
دا حتى المدرسه..مافلحش فيها ...كان بيسرق العيال ..وطردوه منها بفضيحه
مش بقولك...دا واد ابن حرام
نهض محمد بحده ووضع بضعة ورقات نقديه على الطاوله وهو يقول متجهما باقتضاب : شكرا على الشاى ...السلام عليكم
ورحل بخطوات سريعه مودعا بنظرات العجب والدهشه من جاد الله.


(2)
دق محمد باب منزل فتحيه أم سلطان
وعندما فتح الباب فوجد عمر أمامه ينظر اليه باستغراب وعيناه تمتلئ بالريبة
عمر : مش انت اللى كنت قاعد مع جاد الله القهوجى ؟؟
قال محمد بجديه وهدوء : السلام عليكم ..أريد التحدث الى السيده فتحيه أم سلطان
عمر بريبه : نقول لها مين؟
محمد : صديق للدكتور صابر عبد التواب
جلس محمد ينتظر السيده فتحيه على الأريكه البلديه فى وسط الصاله الضيقه فى بيتها الصغير القديم الذى ينضح الفقر من جدرانه المتهالكه الممتلئه بالشقوق,
وجلس أمامه الأسطى بسيونى الذى قدم مسرعا عندما ناداه عمر من دكانه الذى يقع فى آخر الحاره
جلست السيده فتحيه بعد أن قامت بنفسها بتقديم واجب الضيافه للضيف الذى بدأ يتحدث اليهم قاطعا كل نظرات التساؤل والشك فى العيون : أنا محمد ...صديق الدكتور صابر عبد التواب
تعرفت الى الدكتور صابر عندما كان مكلفا من قبل نقابة الأطباء المصريه بمهمه انسانيه طبيه فى بلادى
وتصادقنا كأعز الأصدقاء...وقبل سفره قدم لى الدعوه لزيارته فى مصر , وغادر بلادى ولم أراه منذ سبعة عشر عاما وطوال هذه المده لم تتح لى الفرصه لزيارة مصر..وعندما تحسنت الأحوال واستطعت الحضور الى مصر , ذهبت لزيارته ولم أجده
فتحيه بأسى وهى تمصمص شفتيها: يا حول الله يارب
بسيونى : البوليس قبض عليه من 17 سنه ومحدش يعرف له طريق جره
محمد بدهشه : لماذا ؟؟
بسيونى : والله ما حد عارف, أهم بيقولوا سياسه , وناس بتقول انه كان مع الجماعات
تجهش فتحيه بالبكاء : دا كان راجل سكره, ما يستحقش اللى جراله, الله يجازى اللى كان السبب
هز محمد رأسه بأسف وتنهد بحزن
بسيونى : انما ولا مؤاخذه حضرتك بتتكلم عربى كويس؟
محمد يلتفت اليه : أنا أزهرى, تعلمت فى الأزهر, وقضيت فى مصر فترة شبابى
التفت محمد الى عمر الجالس قبالته على كرسى خشبى قديم ونظر فى عينيه وهو يقول : أنت عمر؟
عمر بريبه : ايه! انت تعرفنى؟
يظهر شبح ابتسامه على زاوية فمه وتطل من عينيه نظره غريبه وهو يقول : أنت الذئب
ينظر اليه الجميع فى صمت والدهشة تطل من عيونهم بقوة
عــــــــــــــــــــــمــــــــــــــــــــــــــ ر
شق المكان صوت صراخ رهيب قادم من الحارة أفزع كل من فى البيت
جرى عمر الى النافذة : ايه ....فيه ايه يا ريس فرغلى؟
فرغلى بغضب : انزلى هنا يابن الديابه لا أطلع أشرحك
عمر بغضب : ايييييه انت هاتشتغلى؟
طب أنا نازلك....
يخرج من المنزل جريا وهو يهتف : جرى ايه؟ واقف تسيحلى فى وسط الحاره؟حصل ايه
فرغلى يمسكه من ملابسه : فين ايراد الورشه يا كلب يا حرامى؟
من ساعة ما اصطبحت بوشك وانا بقول اليوم ده مش هايعدى على خير
عمر يدفع يده بغضب : ماتشتمش....وانا مالى أنا ومال ايراد الورشه؟
هو أنا جيت جنبك؟ماتشوف مين اللى دخل الورشه النهارده
مفيش حرامى وابن حرام فى الحاره غيرك..ودينى اما قبيت بإيراد الورشه لأبيتك متفشفش فى أحمد ماهر
حووووووده...كتفه
يحيط به صبيان الورشه ويمسكوا بيديه
عمر بغضب : هى دى المرجله ؟ بتخليهم يكتفونى؟
يبدأ فرغلى بالضرب فيه بوحشيه وهو يقول : فين ايراد الورشه ..انطق يا حرامى
يتجمع كل من فى الحاره ويقفوا متفرجين الا من بعض التعليقات :
مش حرام ..كلكوا عليه؟
أحسن يستاهل...دا حرامى
يصرخ عمر من الألم ويسب فرغلى الذى رفع يده لتنزل على وجه عمر...
لكنها لم تنزل.... لأن يدا أخرى أشد قوة اعترضتها
التفت فرغلى بغيظ الى الشخص الطويل الممسك بيده ليصطدم بعينين يملؤهما غضب مخيف وصوت صارم يقول : يكفى هذا
ارتبك فرغلى بشده, لكنه قال : محدش يتدخل بينى وبين ابن الحرام ده...دا سرق ايراد الورشه
عمر وهو يبكى : والله ما سرقت حاجه...هو انتوا ماعندوكوش حرامى غيرى؟
محمد بصرامه : كم المبلغ؟
ينظر اليه فرغلى بدهشة : 200 جنيه
يعطيه محمد المبلغ ببساطه وهو يقول محذرا: خذ المبلغ ولا تلمسه
ينتهى الموقف وينفض الجمع وهم بين مذهول ومتعجب من هذا الغريب الذى يدفع مالا لرجل لا يعرفه من أجل انقاذ لص لا يعرفه
مسح عمر دموعه فى كمه وهو ينظر بدهشة لهذا الغريب الغريب
قال محمد باقتضاب : تعالى, أريد أن أتحدث اليك
نهض عمر من الأرض, وانطلق خلفه بصمت وفضول لا مثيل له حتى وصلا الى حيث ترك السيارة
فتح محمد باب السياره وهو يشير الى الباب المقابل ويقول بلهجه آمره : اركب
تردد عمر ونظر اليه بارتياب
قال محمد منهيا تردده : هل تحب أن تكسب مالا؟
اتسعت عينا عمر بلهفة : أنا خدامك
محمد بصرامه : اذا اركب
ركب عمر بجواره, وانطلق محمد بالسياره ليدور بينهما حديث طويل
..................................................
عمر : انت مين يا عم الشيخ
محمد : أخبرتك من قبل...أناصديق للدكتور صابر عبد التواب
عمر : لكن ماقولتليش..هاتدينى فلوس ليه؟
محمد : سأعرض عليك عرض...ما رأيك أن تعمل معى ؟
عمر بتردد : ماشى ...تحت أمرك..بس.....
لامؤاخذه ازاى هاتشغلنى معاك وانت عارف انى حرامى؟
قال محمد فى هدوء : لأننى اعتدت عدم الحكم على الناس الا من خلال تصرفاتهم...وحتى الآن لم يبدر منك ما يجعلنى أرفضك
عمر : طب وكلام الناس؟
محمد : أنا أرى الأشخاص بعينى وعقلى ...لا بكلام الناس
عمر بدهشه: يااااه...انت بتفكر غير الناس كلها!!
محمد باهتمام : لماذا طردت من المدرسه؟
عمر : لا..أنا محدش يقدر يطردنى ..أنا اللى سبتها بمزاجى
محمد : لماذا؟
عمر : بصراحه زهقت منهم ..أصل المدارس مابتكسبش فلوس ..أنا كده أحسن
محمد : كان بإمكانك العمل والدراسه معا
عمر : الصراحه قرفت من المدرسه باللى فيها
كنت ماشى كويس وميت فل و14 ..لحد أولى اعدادى..لحد ما الواد شوقى ابن الأسطى فرغلى ما اتنقل الفصل بتاعى
أكمل بسخريه مريره : أبوه راح للمٌدرّسه وقال لها ..الواد ده مايقعدش جنب ابنى, أصله ابن حرام..ومن يومها بقى الفصل كله يبعد عنى زى ما أكون جربان, أما شوقى بقى, كان كل ماتضيع منه حاجه يلزقها فيا..ويشتكى للمٌدرّسه انى سرقته.
مع انهم كلهم عارفنى من سنين...
ومن يومها وكل حاجه اتشقلبت
هز محمد رأسه بتفهم : وكلما ضاع شئ أو سرق شئ ..
فالسارق دائما موجود
عمر بسخريه : عليك نور ...بس ...
وعنها وسبتلهم المدرسه مطربقه على دماغتهم...
وده كمان ريح عم بسيونى, ايه اللى يزنقه يصرف على عيل مش من عياله؟
محمد يهز رأسه بأسف : وأنت لم تدخر جهدا لتؤكد لهم الصوره التى فى ذهنهم عنك ....
صورة اللص
عمر بمراره : لو كنت عمالتلهم قرد, برده هافضل فى نظرهم ابن حرام...
وادينى خدتها من قصيرها وبقيت حرامى ...
آل ضربوا لأعور على عينه, قال خسرانه خسرانه
محمد : ما رأيك فى من يمنحك فرصه تثبت بها عكس ما يظنونه..
تثبت جدارتك فى مكان آخر لا يعرفك فيه أحد, فى مكان لا يقيّم فيه الإنسان الا بعمله
عمر : ايدى على كتفك
محمد محذرا : ولكن احذرك فستسافر الى بلاد بعيده للغايه... والعمل هناك شاق تماما وقد لا تتحمله
عمر : ياعم خليها على الله ...أنا بعون الله أفوت فى الحديد... وبعدين مش انتوا هاتدونى أجرى؟؟ خلاص ..
قالوا ايش بلدك يا جحا؟ .قال اللى فيها الفلوس...هاهاهاها
محمد بجدية : حسنا ...فلتجهز حاجياتك, ولتعود لتودع أهلك...
فقد يطول السفر الى سنوات
عمر : يا عم قول يا باسط...أهل مين؟أنا ماليش أهل, دى حاره غجر, وكمان ماليش حاجات, أهه على فيض الكريم
عقد محمد حاجبيه وقال بدهشة : وماذا عن أمك التى أرضعتك ؟ وأباك الذى رباك؟
عمر بلا مبالاه : أبا بسيونى , ما هايصدق, دا مش عاوز يشوف وشى , وأمى مابتحبش المشاكل
دى الحاره كلها هاتفرح وتزغرد علشان ارتاحوا منى
صمت عمر قليلا, ثم قال بعد تردد : بس ..ليا سؤال....
انت بتعمل كده ليه؟
محمد : أخبرتك من قبل, من أجل صديقى الدكتور صابر..
فأنا مدين له بالكثير
كما أنى أريد أن أثبت لك أن هناك من يعاملون الناس بتعاليم الإسلام
لا بنظرتهم الضيقة للحياة
ان من ينظر للحياه من خلال الإسلام, يجدها أكبر بكثير مما يعتقد الناس
عمر بريبه : لاموآخذه الكلام ده مش داخل دماغى
يعنى ...طب مافيه ألف واحد غيرى واحسن منى كمان ومعاهم شهادات ويستحقوا المساعده أكتر منى
يصمت قليلا ثم يقول : انت كنت تعرف أبويا؟
محمد ينظر اليه باعجاب بذكاءه ويقول ببساطه : ربما
دهش محمد عندما لم يتلقى أى رد أوكلمه أو حتى انفعال من عمر
عقد حاجبيه بدهشة وسأله: ألا يهمك أن تعرف انك لست ابن زنى؟
عمر يفتعل اللامبالاه وهو ينظر بشرود الى الطريق :ماتفرقش كتير..
بالعكس ..كده أحسن, خلاص اتعودت
وبعدين مش يمكن لو عرفت مين أهلى أقع فى مصايب وقواضى؟ أمال يعنى ايه اللى يخليهم يرمونى الا اذا كانوا واقعين فى مصيبه؟
سوق يا عم سوق خلينا نشوف أكل عيشنا, بلا أهل بلا هم
خلينا فى السفر والفلوس
وسافر عمر مع محمد بعيدا...
الى أين؟
الى عالم مجهول, وحياه جديدة, لا يعرف ما ينتظره فيها
.................................................. ..

(3)
نجحت المهمه..... أحضرناه
هتف الشاب الباسم دائما بحماس شديد لكن القائد لم يلتفت اليه فسأله بدهشه : أيها القائد....ايها القائد......هل سمعتنى؟
نزع القائد نفسه من شروده الذى اعتاد الجميع عليه والتفت ببطء الى الشابين الذين نجحا فى انجاز المهمه و قال بهدوء : هل آذاه أحد؟
قال الشاب الباسم وقد أطفأ رد فعل القائد حماسه : لا ..لم يمسه أحد بسوء
أكمل زميله : فقط عصبنا عينيه حتى لا يعرف الطريق
القائد : وأين هو؟
أجاب الشاب : فى الحجره التى فى نهاية الممر
القائد : حسنا ...سأراه بنفسى
هم بمغادرة المكان لكنه توقف فجأه ونظر اليهما قليلا ثم اقترب من الشاب الباسم وسأله: ما اسمك؟
الشاب وقد عاد اليه حماسه وابتسامته : جوهر
التفت الى زميله وسأله : وانت؟
أجاب : أحمد
قال القائد بلهجه آمره : لا تغادرا المكان فسأطلب من القائد أن يضمكما الى كتيبتى
خفتت ابتسامة جوهر وظهر على وجهه خيبة الأمل , لكن القائد لم يبالى وتركهما ورحل بصمت...
التفت أحمد الى جوهر وسأله بدهشه : ماذا دهاك؟ لماذا يبدو عليك الضيق؟
جوهر : لا أريد أن أترك أصدقائى ..لقد عشت معهم أياما طويله وتشاركنا فى كل شئ ..الطعام والشراب ..حتى النوم .ولنا ذكريات جميله معا
أحمد متعجبا : عجبا لأمرك ..كنت أظنك ستفرح .فما من شاب الا ويتمنى الإنضمام لكتيبة الذئب
زفر جوهر بضيق وقال : ألم أقل لك من البدايه أن وجودنا هنا لسبب آخر غير هذه المهمه
كما أن تصرفاته غريبه للغايه , ألا ترى كيف يعاملنا؟
صمت قليلا ثم أكمل بشرود : لا أظننى سأحتمل البقاء هنا طويلا
.................................................
دخل القائد الى حجرة الأسير فوجده جالس على الكرسى قبالة الباب وهوينظر اليه بمقت شديد
سحب القائد كرسى آخروجلس أمامه تماما
اندفع الأسير يقول بانفعال وتوتر شديد ونظرات الكراهية تطل من عينيه كسهام حاده : لن تحصلوا منى على كلمه واحدة ...لقد قمتم باستدراجى بحيلة خبيثة, لكنكم لن تستفيدوا من ذلك مهما فعلتم
فأنا أفضل الموت على أن أبوح بأى كلمه..
انزعوا أظافرى, حرقوا جسدى..لكنى لن أنطق بكلمه
كان القائد يجلس هادئا صامتا وعينيه مركزتين فى عينى الأسير الزائغتين...
كانت نظراته الثابتة تشع بالقوة على الرغم من لثامه الأسود السميك الذى يخفى رأسه ووجهه, والمغطى من أعلاه بعصابة خضراء مكتوب عليها كلمة التوحيد
قال بصوته الهادئ العميق والذى زاد من توتر الأسير :
من قال أننا سنفعل أى شئ من ذلك ؟
أعرف تماما مدى عنادك, وكم أنت صعب المراس
الأسير بتوتر منفعل : اذا ماذا تريدون منى؟
القائد بهدوء شديد يحطم الأعصاب : لا شئ....فقط سنستضيفك لدينا لبعض الوقت لنرى كم تساوى لديهم
الأسير : لا ...لن تنالوا أى مكاسب على حسابى
القائد ببرود أشد من الثلج : حقا ...أنت وحدك لا تساوى شئ,
لكنها رتبتك ..
ترى ..كم تساوى من وجهة نظرهم؟
الأسير باستفزاز : تتكلم تماما كاللصوص وقطاع الطرق
القائد بهدوء : من وجهة نظرك فقط ..لقد اختطفت شخصا, أو بضعة أشخاص
لكنكم اختطفتم بلدا بأكملها ...بكل ما فيها
وكل ما نفعله الآن هو محاولة لإسترداد ما سرقتموه منا...والعودة الى أرضنا
الأسير بانفعال شديد : واهمون..هذه الأرض لنا, وستظل لنا لأننا الأقوى
القائد بسخريه شديدة : هل تعتقد حقا أنكم الأقوى؟
ولكن نتائج المعارك التى نخوضها ضدكم تقول غير ذلك
.................................................. .
يااااااه يا مولانا ...ايه ده...دانتوا بلدكوا فى آخر بلاد المسلمين
صاح عمر وهو يركب السياره بجوار محمد
محمد بهدوء : لقد حذرتك من البدايه أنها بلاد بعيدة والحياة فيها شاقة للغاية
عمر : بس أنا كنت فاكر اننا هانركب مركب ..طيارة...
لكن داحنا ركبنا كل الركايب اللى اخترعها البنى آدمين
طيارة ومركب وقطر وعربية..........
يا خبر أبياااااض ..ايه ده؟؟
مافاضلش غير الصاروخ....
واللى مجننى ...اننا عمالين نعدى على بلد ونسيب بلد, ودنك منين يا جحا؟
ابتسم محمد ابتسامة صغيرة وقال : يبدو أنك معجب كثيرا بجحا؟
الأمر ببساطة أن هناك توتر فى العلاقات السياسية بيننا وبين الدول المجاورة, لذلك اضطررنا الى تجنب العبور خلال أراضيهم
عموما أوشكنا على الوصول.
توقفت السيارة أمام منزل كبيرمن طابقين له فناء واسع
ترجل الإثنان ودخلا الى المنزل ومعهما الأمتعه..
استقبل أهل المنزل محمد استقبالا حارا, وأدرك عمر من حرارة الإستقبال أنهم عائلته
والغريب أن الجميع كان يتكلم العربية الفصيحة
ثم, بدأوا باغداق مشاعر الود والمحبة على هذا الضيف الجديد
وسلموا عليه بحرارة ..وكانت لحظات التعارف تحمل مشاعر دافئة صادقة تعجب لها عمر كثيرا, خاصة وانه غريب عنهم ولا أحد منهم يعرفه
السيدة الكبيرة, ربة المنزل وزوجة محمد وهى أم لأربعة
مالك ...فتى يافع يماثله فى العمر ودود مرح له ابتسامة طفولية لذيذة لا تختفى ابدا
زهرة.. فتاة جميلة هادئة فى الخامسة عشر لها وجه ملائكى يشع جمالا ونورا
خالد..طفل لطيف فى السادسة, وزينب طفلة جميلة, لم تتجاوز الثالثة
ازال استقبالهم الحار وترحيبهم الودود من نفس عمر كل توتر وخوف وزاد من شعوره بالأمان
بعد أن تناول الجميع الطعام, طلب محمد من مالك أن يصطحب عمر الى غرفته ليرتاح من عناء السفر
وفى اليوم التالى......
اجتمع محمد بعمر فى حجرة المكتب وحدهما, وبدأ يتحدث معه
عمر : ها يا مولانا.. كلنا وارتحنا وكله تمام, ايه بقى الشغل اللى هاشتغله؟
نظر اليه محمد طويلا وقال بهدوء : لقد كان استنتاجك صحيحا ... أنا حقا أعرف والدك
عمر بضجر : يا عم فضنا من دى سيره, مانا قلتلك مش عاوز أعرف حاجه
محمد :ألا تريد أن تعرف أن أمك.........
كانت أختى؟
عمر بذهول : أختك ؟؟.... يعنى انت!!
محمد بتأكيد : نعم ...أنا خالك أخو أمك
عمر بتوتر محاولا التغلب عليه بضحكه ساخره : هأ هأ ...ايه؟؟ جرى ايه يا مولانا؟؟ انت هاتسوق فيها ولا ايه؟
خالى ايه وبتاع ايه؟
لا ...أنا محبش اللعبه دى...عاوز تلفنى بكلمتين وتبلعنى بلقمه واحده؟؟
لااااا دانتا ما تعرفنيش...دانا ابن سوق ومحدش يضحك عليا
يصمت محمد طويلا, ثم يخرج من درج مكتبه صورة قديمة ويعطيها لعمر وهو يقول : انظر الى هذه الصورة وتأمل وجوه من فيها
تأمل عمر الصورة مليا, ودهش تماما عندما وجد احدهم يشبهه كثيرا
رفع عينين ملؤهما التساؤل والحيرة الى محمد
محمد بهدوء : هل لاحظت الشبه الكبير؟..
انه هو
يهز عمر رأسه برفض وعناد وهو يقول : شوف ...أنا ممكن أصدق أى حاجه...ممكن حتى أصدق لو قلتلى انى ابن الدكتور صابر...انما اللى انت بتقوله ده ..مش ممكن يدخل دماغى أبدا
أنا لا ابن ده ..ولا أنا من البلد دى..
أنا عمر ..عمر الديب
اقترب محمد منه وقال بتفهم : الدكتور صابر ليس والدك لكنه أنقذ حياتك ولم يكن باستطاعته أن يقول لخادمته أن اسمك هو..
عمر ديساروف .....
لم تكن لتستوعب ذلك أو يستوعبه أى من من حولها...
لذلك أطلق عليك عمر الذئب
وضع محمد يده على كتف عمر بقوة ونظر فى عينيه مباشرة وهو يكمل : ولم يكذب الرجل, نعم ..أنت حقا ذئب ......
ذئب شيشانى
اتسعت عينا عمر بخوف, وسقط قلبه فى قدميه
.................................................. ..............
يتبع........................................

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق