Social Icons

الأحد، 19 ديسمبر 2010

ماذا تعرف عن إسرائيل الجزء الاول والثانى

ماذا تعرف عن إسرائيل

هي سلسلة مقالات أسبوعية للكاتب حامد محمد حامد يعرف فيها تاريخ اليهود الذي كتبوه بأيديهم و فرضوه على العالم أجمع من باب "إعرف عدوك"، رأيت أن علينا أن نكون على علم أيضا بما يظن هؤلاء خاصة أن مسيحي الغرب أيضا يؤمنون بنفس الأفكار على اعتبار أنهم يؤمنون بالكتاب المقدس (كتاب اليهود) أيضا، دون التحقق من صحته و هو ما لمسته بنفسي.
و إليكم الحلقة الأولى:





ماذا تعرف عن إسرائيل (1) حامد محمد حامد


ربما يكون السؤال مباغتاً وتحتاج للإجابة عليه بعض الوقت كي تستجمع أفكارك..

حسناً.. سأتركك قليلاً لتستوعب السؤال..

قد يتبادر إلى ذهنك الآن صورة نتنياهو ومذابحه الوحشية، وربما تذكر أن إيريل شارون هو بطل (الثغرة) وإن كنت لا تعرف ما هي هذه الثغرة بالضبط، وستتوالى في ذهنك صور موشيه ديان وجولدا مائير وتيودور هرتزل وحائط البراق (الذي يسميه اليهود بحائط المبكى)، والكيبا (غطاء الرأس اليهودي المميز)، وستتردد في ذهنك عبارات شعب الله المختار والهولوكست والتلمود وهيكل سليمان والكنيست وأرض الميعاد، وربما ستتذكر أيضاً أسماء بعض المذابح الإسرائيلية كدير ياسين وصبرا وشاتيلا وإن لم تسعفك ذاكرتك بمعلومات عنها..

باختصار ستريح نفسك وستصل في النهاية إلى أن إسرائيل هي عدو الأمة العربية الرئيسي، حيث احتلت فلسطين بعد انتصارها على العرب سنة 1948 ومن حينها وهي تقف عقبة في طريق تقدمنا ورقينا، بل ودائما ما تحيك المؤامرات ضد كل الدول العربية من المحيط إلى الخليج..

قد يبدو كل هذا جميلاً، ولكن الحقيقة هي أننا بهذه الطريقة لا نعرف شيئاً عن إسرائيل!

فقصة إسرائيل لم تبدأ من سنة 1948 ولا من وعد بلفور سنة 1917 ولا حتى من المؤتمر الصهيوني الأول سنة 1898..
ولكن القصة تبدأ قبل ذلك بكثير.. بكثير جداً في الواقع..

وربما كان من المناسب أن نبدأ القصة بأن نعرف ما هو أصل ذلك العهد الأبدي الذي قطعه الله لإبراهيم، وما الذي تعنيه ثلاث كلمات نسمعها كثيراً دون أن نتوقف عندها وهي: العبريون أو العبرانيون - والإسرائيليون - واليهود..

الشعب المختار

يذكر سفر التكوين أنه بعد طوفان نوح تكاثرت الأمم والشعوب، وانتشرت المعاصي والشرور مرة أخرى، فاختار الله أبرام -الذي سيصبح اسمه إبراهيم بعد ذلك- ليباركه هو ونسله، وكان أبرام على ما تذكر التوراة من الجيل العاشر من أحفاد سام بن نوح، وهكذا أمر الله أبرام بالخروج من موطنه "أور الكلدانيين" -العراق حالياً- إلى أرض كنعان -فلسطين الآن، وعندما بلغ أبرام التاسعة والتسعين من عمره ظهر له الرب على ما يروي سفر التكوين قائلاً: "أنا الله القدير، سر أمامي وكن كاملاً، فاجعل عهدي بيني وبينك، وأكثرك كثيراً جداً"، فسقط أبرام على وجهه، وتكلم الله معه قائلاً: "أما أنا فهذا عهدي معك، وتكون أباً لجمهور من الأمم فلا يدعى اسمك بعد أبرام، بل يكون اسمك إبراهيم؛ لأني أجعلك أباً لجمهور من الأمم، وأثمرك كثيراً جداً، وأجعلك أمماً، وملوك منك يخرجون، وأقيم عهدي بيني وبينك، ومن نسلك من بعدك في أجيالهم، عهداً أبدياً، لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك، وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان ملكاً أبدياً وأكون إلههم"، أما علامة العهد كما قال الله لإبراهيم فهي الاختتان، "فيكون عهدي في لحمكم عهداً أبدياً"، وأما الذكر الذي لا يختتن فيكون كأنما نكث عهد الله!

ويرى الدكتور عبد الوهاب المسيري -رحمه الله- في موسوعته القيمة "اليهود واليهودية والصهيونية" أن فكرة "تقديس الشعب" هي فكرة دينية راسخة عند اليهود، وهي دليل واضح على "الحلول الإلهي" في الفكر اليهودي، بمعنى أنهم جعلوا الإله يحل في الأرض لتصبح أرض الميعاد أرضاً مقدسة ومركزاً للكون كله، ويحل في الشعب فيصبح شعباً مختاراً ومقدساً وأزلياً، أو كما جاء في سفر التثنية: "لأنك شعب مقدس للرب إلهك، وقد اختارك الرب لكي تكون له شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض"!

الذي قاتل الله!

يرجع أصل كلمة "العبرانيين" إلى الفعل "عَبَر" بمعنى تخطّى واجتاز، وقد كانت تسمية عبري أو عبراني تطلق على كل من عبر نهر الفرات إلى الشام، وهو الطريق الذي سلكه نبي الله إبراهيم "عليه السلام"، ولا ندري لماذا استأثر اليهود وحدهم بلقب العبرانيين مع أن إبراهيم هو أبو العرب أيضاً عن طريق ابنه إسماعيل عليهما السلام كما أنه أبو اليهود، وهناك رأي آخر يجعل تسمية العبرانيين نسبة إلى عابر حفيد سام بن نوح وأحد أجداد إبراهيم..


أما كلمة بني إسرائيل أو الإسرائيليين فهي ترتبط بقصة طريفة ترويها التوراة في سفر التكوين عن نبي الله يعقوب، إذ كان في طريقه في أرض كنعان هو وأهله، فعبر وادياً هو ومن معه حتى إذا انتهى عبورهم عاد من جديد لسبب ما، فوجد في انتظاره "رجلاً" ليس كالبشر فصارعه هذا الرجل حتى مطلع الفجر "و لما رأى -أي ذلك الرجل الغريب- أنه لا يقدر عليه -أي على يعقوب- ضرب حق فخذه فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه، وقال: أطلقني؛ لأنه قد طلع الفجر، فقال: لا أطلقك إن لم تباركني، فقال له: ما اسمك؟ قال: يعقوب، فقال: لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب، بل إسرائيل؛ لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت".

وفي موضع آخر من سفر التكوين تختلف الرواية بعض الشيء: "وظهر الله ليعقوب أيضاً حين جاء من فدان آرام وباركه، وقال له الله: اسمك يعقوب، لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب، بل يكون اسمك إسرائيل، فدعي اسمه إسرائيل، وقال له الله: أنا الله القدير، أثمر وأكثر أمة وجماعة أمم تكون منك، وملوك سيخرجون من صلبك، والأرض التي أعطيت إبراهيم وإسحق لك أعطيها، ولنسلك من بعدك أعطي الأرض، ثم صعد الله عنه في المكان الذي فيه تكلم معه".

وعلى ذلك تكون تلك المحادثة التي جريت بين الله "سبحانه وتعالى" ويعقوب طوال الليل(!!) ليليها هذا الوعد بفلسطين له وأبنائه، وهكذا يمتزج الفلكلور والأساطير القديمة بالأهداف السياسية، دون أن يكون لنا دليل إلا النص الذي مع اليهود، ولو أنهم لم يحاولوا إلزام الإنسانية كلها به لهان الأمر، لكن الأسطورة انتهت وبقيت كلمة "الوعد" وسميت فلسطين عندهم "أرض الميعاد" بطريقة جعلوها حكماً إلهياً لا يقبل المناقشة.

عن الحلف الأبدي بين الرب والشعب

أما تسميتهم "باليهود" فإنها أحدث من ذلك بكثير، وترجع إلى الوقت الذي نجح فيه داود وسليمان وأبناؤهما في إقامة مملكة في فلسطين حوالي سنة 1000 قبل الميلاد، ولما كانت هذه الأسرة الحاكمة تنتمي إلى قبيلة من العبريين تسمى "سبط يهوذا" فقد نسبوا إليها الرعية كلها وأصبحوا يسمون "اليهود"، وبصفة عامة فقد أصبح من الشائع إطلاق مصطلح "اليهود" تجاوزاً على أبناء يعقوب وذريتهم..

وحقيقة ليس من السهل التحقق من بدايات التاريخ اليهودي، فاليهود هم الأمة الوحيدة التي كتبت تاريخها بيدها وجعلته كله وحياً من السماء نازلاً بإرادة الله، بحيث يعلو فوق الجدل والنقاش، وهم عندما كتبوا تاريخهم هذا "استعاروا" المأثورات الشعبية لأمم قديمة كثيرة وأضافوا إليها ليخرجوا في النهاية بملحمة تبدأ مثل ملاحم السومريين والفراعنة بالحديث عن خلق العالم وخلق الإنسان.

وتحاول تلك الملحمة إبراز فكرة أساسية هي أن كل عملية الخلق وكل التدبير الحكيم الذي دبره الخالق، وكل تفاصيل تلك الرواية على مسرح السماء والأرض كانت لهدف واحد، وهو اختيار بني إسرائيل وتسليمهم دور البطولة الأبدي على مسرح الإنسانية، أما الأمم الأخرى فهي ليست إلا شخوصاً مكملة للرواية على هذا المسرح الكبير، ولا أهمية لهم إلا بقدر ما يسهمون في إبراز مجد اليهود، وملحمتهم هذه مكونة من عناصر مختلفة اختلطت فيها حكمة الحكماء وشرائع الأنبياء بأساطير الأبطال الخرافيين وصاغوا كل ذلك الخليط العجيب ليؤكد دائماً على الحلف الأبدي بين "الرب والشعب"..

إذن فبداية وصول هؤلاء العبريين إلى فلسطين لا تعتمد على أية شهادات تاريخية صحيحة من حفائر أو وثائق أو آثار، وكل اعتمادها على قصص ومسامرات وأساطير أغلبها مسروق من خرافات الأمم الأخرى، ومع ذلك فإن كل ما روي في هذا الصدد يشير بصراحة قاطعة إلى أن هؤلاء العبريين كانوا غرباء على فلسطين، وأنهم وصلوا إليها مهاجرين وأنهم اغتصبوا الأجزاء التي أقاموا فيها بلا أي سند واكتفوا في تبرير ذلك بقولهم أن إله آبائهم هو الذي وعدهم بها وأعطاهم إياها، أو كما تذكر التوراة صراحة في سفر التثنية على لسان موسى عليه السلام: "آرامياً تائهاً كان أبي، فانحدر إلى مصر وتغرّب هناك في نفر قليل، فصار هناك أمة كبيرة وعظيمة وكثيرة، فأساء إلينا المصريون وثقّلوا علينا وجعلوا علينا عبودية قاسية، فلما صرخنا إلى الرب إله آبائنا، سمع الرب صوتنا، ورأى مشقتنا وتعبنا وضيقنا، فأخرجنا الرب من مصر بيد شديدة وذراع رفيعة ومخاوف عظيمة وآيات وعجائب، وأدخلنا إلى هذا المكان، وأعطانا هذه الأرض، أرضاً تفيض لبناً وعسلاً".
وهكذا تلخص التوراة نفسها قصة التسلل إلى فلسطين في قديم الزمان..

خروج اليهود من مصر إلى التيه

و إن لم أجد تشجيعا هنا يدفعني إلى استكمال باقي الحلقات لكني أضع مع ذلك الحلقة الثانية ربما جذبتكم أكثر حينما تجدون الموضوع بدأ في الوضوح و تدركون أهميته:




ماذا تعرف عن إسرائيل: خروج اليهود من مصر إلى التيه
حامد محمد حامد


المشكلة الرئيسية التي تواجه الباحثين في تاريخ الجماعات اليهودية هي عدم وجود أي وثائق أو شواهد أو أدلة تاريخية عن تاريخ اليهود باستثناء كتبهم المقدسة: التوراة وأسفار أنبياء بني إسرائيل، وهو شيء خطير؛ لأنه يعني ببساطة أن يكون المصدر الوحيد لتاريخ اليهود هم اليهود أنفسهم، وفارق ضخم بين أن تعتز كل أمة بتاريخها وتفتخر به، وبين أن تفرض أمة على العالم كله تاريخها خاصة عندما يكون بلا أي سند تاريخي، ولو أخذنا التاريخ الفرعوني كمثال لوجدنا أن كل المعلومات التي بين أيدينا اليوم عن ملوك الفراعنة وحضارتهم وحياتهم عرفناها مما تركوه لنا مكتوباً على أوراق البردي أو منقوشاً على جدران المعابد والمقابر، والتي يستطيع الباحثون أن يطّلعوا عليها، في حين أن كتب اليهود المقدسة -التي تدور شكوك تاريخية كثيرة حول حقيقة مؤلفيها والفترة التي كتبت فيها- هي المصدر الرئيسي الوحيد تقريباً لتاريخ اليهود. والحقيقة أن تصميم اليهود على استخدام وقائع حدثت وانتهت منذ آلاف السنين للحصول على حقوق في عالم اليوم يبدو في حد ذاته أمراً بالغ السخف والعبثية كأن يطالب اليونان بحقهم في الإسكندرية باعتبارهم من أنشأها، أو حتى أن يطالب المصريون بذهبهم الذي سرقه اليهود منهم قبل خروجهم من مصر أيام الفراعنة!

وبالمناسبة فمن الضروري أن نتوخى الحذر ونحن نقول (تاريخ اليهود) التي تعني أن اليهود كيان واحد لهم تاريخ مشترك منذ القدم وإلى الآن، وهي أحد المزاعم الصهيونية، بينما الحقيقة أن اليهود مثلهم كمثل أصحاب أي دين ليس لهم تاريخ واحد، فتاريخ يهود العراق يختلف قطعاً عن تاريخ يهود الصين، وتاريخ يهود أوروبا الشرقية لا علاقة له بيهود الحبشة، وهكذا، وبالتالي فالأصح أن نستخدم -كما يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري- تعبير تاريخ الجماعات اليهودية..

إسرائيل وأبناؤه

ينتسب اليهود في الأساس إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام، الذي خرج بمن آمن من قومه من العراق إلى الشام، وأنجب إبراهيم من سارة زوجته العراقية ولداً أسماه إسحق، الذي أنجب يعقوب (إسرائيل)، وأنجب يعقوب 12 ابناً هم الأسباط الذين يزعم يهود العالم اليوم أنهم ينحدرون من ذريتهم، وأشهر أبناء يعقوب هو نبي الله يوسف الذي وصل إلى مصر بعد أن حاول إخوته أن يتخلصوا منه، وكان وصول يوسف إلى مصر -وتدرّجه في المناصب إلى أن أصبح "عزيز مصر" حسب قصته الشهيرة- في فترة حكم الهكسوس (الأسرتين 15 و16)، وعندما حلت بالشام موجات قحط متتالية، لم يكن أمام أهلها إلا اللجوء إلى مصر، وهكذا نزح يعقوب مع أبنائه (الأسباط) إلى مصر، ولم تغادرها ذريتهم إلا بعد سنين طوال -تذكر التوراة أنها 210 سنة- عندما تغيرت الظروف السياسية في مصر، وتغيرت معاملة المصريين لليهود، فقد كان ولاء اليهود لمصر موضع شك دائم من الفراعنة، والتوراة نفسها تذكر أن فرعون قال لمساعديه "تعالوا ندبر لهم -أي اليهود- أمراً حتى لا يكثُروا، فيكون أنهم إذا وقعت حرب ينضمون إلى أعدائنا ويحاربوننا ثم يخرجون من البلاد"، وهكذا ذاق اليهود صنوف الذل والهوان في مصر، مما دفعهم للخروج منها يقودهم نبي الله موسى، ويقال إن خروج اليهود من مصر كان في فترة حكم مرنبتاح بن رمسيس الثاني (الأسرة 19)، وهي معلومة غير مؤكدة تاريخياً، أما ما تؤكده التوراة فهو أن اليهود قد سرقوا ذهب جيرانهم من المصريين قبل خروجهم، فقد أمر الرب موسى أن: "تكلّم في مسامع الشعب أن يطلب كل رجل من صاحبه وكل امرأة من صاحبتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب"، وهو ما يبرره مفسرو التوراة بأنها غنائم مشروعة، ولأن المصريين الذين استعبدوا بني إسرائيل يرمزون إلى إبليس، فيكون تفسير ذلك أن بني آدم لا يخرجون بعد صراعهم مع الشيطان فارغين، بل يخرج الإنسان محملاً بغنائم من البركة والإيمان!

عصر القضاة

وبعد تِيهٍ استمر 40 سنة في صحراء سيناء نزلت فيها الوصايا العشر، واكتملت الشرائع اليهودية، ومات فيها تقريباً كل الجيل الذي خرج من مصر مع موسى، وصل اليهود أخيراً إلى أرض كنعان (فلسطين) ودخلوها يقودهم نبيهم يوشع بن نون بعد قتال عنيف مع أهلها من القبائل العربية، ونلاحظ هنا أن موسى قد توفي قبل أن يدخل إلى أرض كنعان، كما تجدر الإشارة إلى أن اليهود الذين احتلوا فلسطين مع يوشع بن نون كانوا في حقيقة الأمر أشبه بقبائل بدوية متفرقة، كل قبيلة (سبط) لها أمير يحكمها، وتسمى الفترة التي تلت دخول يوشع بن نون إلى الأرض الموعودة واستمرت نحو 450 سنة بعصر القضاة، والقضاة هم حكام كان ينتخبهم شيوخ الأسباط ليتولوا الحكم والفصل في المسائل الهامة في حين يتولى شيوخ الأسباط الشئون الداخلية، ومن أشهر القضاة "شمشون" صاحب القصة الأسطورية الشهيرة عن قوته الخارقة، ولأن شعر رأسه هو سر قوته، فلما استطاع الفلسطينيون إغواءه عن طريق الغانية الفلسطينية دليلة التي استغلت نومه عندها وقصّت شعره فزالت قوته الخارقة! وهكذا تلخص التوراة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ آلاف السنين!

ملوك بني إسرائيل

أهم ما يميز عصر القضاة هو أنه لم تقُم فيه دولة حقيقية بالمعنى المعروف، فقد ظل اليهود على حالتهم التي دخلوا بها أرض كنعان مع يوشع بن نون، مجرد قبائل بدوية تعيش جنباً إلى جنب مع أصحاب الأرض الأصليين من قبائل الكنعانيين والفلسطينيين، كما تميز عصر القضاة بالقسوة والغلظة وحروب العصابات، وكعادة الحروب القبلية، تبادل كل من اليهود والأمم الأخرى مناطق السيطرة والنفوذ في أرض كنعان، واستمر الحال على ذلك إلى أن طلب اليهود من صموئيل آخر قضاتهم -وهو نبي في نفس الوقت- أن يمسح (أي ينصّب) لهم ملكاً كباقي الأمم، ففي ذلك العصر كانت مهمة النبي قيادة اليهود روحياً فقط، في حين كانت أمور الحكم والسياسة مسئولية الملك، فاختار النبي صموئيل لهم شاؤل (الذي يسمى في القرآن الكريم طالوت) ليكون ملكاً على بني إسرائيل، وعلى ذلك يعتبر صموئيل هو حلقة الوصل بين عصر القضاة وعصر الملوك. وشاؤل هو الملك الذي قاد بني إسرائيل من نصر إلى نصر إلى أن هزمه الفلسطينيون في النهاية، فانتحر خوفاً من أن يأسره الفلسطينيون كما تذكر التوراة، ومع أن شاؤل كان أول ملوك اليهود إلا أنه لم يلتفت لتأسيس الدولة؛ لأن فترة حكمه كلها كانت حروباً متصلة، ولم تقم دولة حقيقية لبني إسرائيل في فلسطين إلا عندما تولى الملك نبي الله داود كما سنرى في الحلقة القادمة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق